لماذا عزل الخديوي توفيق محمد المهدي العباسي من مشيخة الأزهر؟
محمد المهدي العباسي شيخ الأزهر الأسبق، يعد أصغر من تولى منصب مفتي الديار المصرية في التاريخ، حيث تولى المنصب وهو في سن 21 عامًا، كما تولى مشيخة الأزهر وهو في سن 43 عامًا، كما أنه كان أول من جمع بين هذين المنصبين في التاريخ، بالإضافة إلى أنه كان أول شيخ من الأحناف يتولى مشيخة الأزهر الشريف، حيث جرت العادة قبل ذلك على أن يتولى منصب شيخ الجامع الأزهر الشريف من أحد شيوخ الشافعية.
وفي كتابه «أصل الحكاية»، يذكر الباحث في التراث خطاب معوض، أن جد الشيخ محمد المهدي العباسي كان مسيحيًا وأسلم في صباه، وتولاه بالرعاية والتعليم الشيخ الإمام محمد الحنفي، حيث ضمه لأسرته وتعهده حتى حفظ القرآن الكريم، وسلك طريق العلم فتتلمذ على كبار علماء عصره حتى أصبح عالمًا كبيرًا يشار له بالبنان، حتى أنه تم ترشيحه يومًا ليكون شيخًا للأزهر الشريف، ولكن عهد بها الوالي محمد علي للشيخ الشنواني.
محمد المهدي العباسي يتولي الإفتاء وهو طالب
ويضيف «معوض»: «وكان الشيخ محمد المهدي العباسي لا يزال طالبًا للعلم حينما عهد له الوالي إبراهيم باشا بن محمد علي بالإفتاء تلبية لوصية عارف بك الصدر الأعظم للسلطان العثماني، والذي كان صديقًا للشيخ محمد المهدي الكبير جد الشيخ محمد المهدي الصغير، ولأنه كان صغيرًا ولا يزال يدرس العلم، ولأن الأزهر وقتها كانت له هيبته، فقد عقد شيخ الجامع الأزهر وكبار العلماء مجلسًا اتفقوا فيه على تعيين أمين للفتوى يكون مسئولًا عن دار الإفتاء حتى يكمل المفتي الجديد تعليمه الأزهري ويكون أهلًا للمنصب الذي تولاه، وهو ما حدث بالفعل بعدها بعدة سنوات، هذا وقد اشتهر الشيخ محمد المهدي العباسي مفتي الديار المصرية وشيخ الجامع الأزهر بالعفة والأمانة والدقة والحزم وعدم موافقة الحكام فيما يخالف شرع الله، وكان لا يخشى في الله لومة لائم مهما كان، وكان شديد المحافظة على كرامته وكرامة منصبه الكبير».
محمد المهدي العباسي يرفض إصدار فتوى للخديوي إسماعيل
ويلفت «معوض» إلى أنه: «وبرغم العلاقة الوثيقة التي تربط بين أسرة الشيخ والأسرة العلوية الحاكمة، إلا أنه حدثت له معهم الكثير من المواقف التي وقف فيها وقفات مشهودة عززت مكانته، وجعلت له هيبة ومكانة عند ولاة الأمور وجعلت محبته تترسخ في قلوب المصريبن، منها موقفه مع الوالي عباس حلمي الأول حينما أراد الحصول على فتوى تبيح له مصادرة أموال أسرة محمد علي لحساب الدولة وبالتالي يستولى عليها، إلا أن الشيخ رفض بشدة أن يبيح له ذلك ولم يأبه له، وحينما أراد الخديو إسماعيل أن يضم الأوقاف الأهلية إلى الأوقاف العمومية وحاول الحصول على فتوى تبيح له ذلك، رفض الشيخ وبشدة أن يصدر فتوى تبيح ما حرمه الله، وقال قولته التي خلدها التاريخ: "ليسهل علي تجردي مما أملك وما ورثت عن آبائي على أن أعلن حكمًا بغير ما أنزل الله، أو أحابي بديني، أو يراعني التهديد"».
لهذا السبب عزل الخديوي توفيق محمد المهدي العباسي
والعجيب أن الخديوي توفيق قد قام بعزله من مشيخة الأزهر الشريف في شهر نوفمبر سنة 1881 استجابة للعرابيين، وذلك بعد أن قوي أمرهم، وإن كان أبقاه في منصب الإفتاء ثم أعاده لمنصبه كشيخ للأزهر مرة أخرى في شهر أكتوبر سنة 1882، وذلك بعد فشل الثورة العرابية، ولكن سرعان ما عاتبه الخديوي توفيق لأنه يجتمع في بيته بالوطنيين الذين كانوا يبحثون كيف يخرجون الإنجليز من مصر، فما كان من الشيخ إلا أن طلب من الخديوي أن يقوم بإعفائه من منصبيه في الإفتاء ومشيخة الأزهر، وهو ما حدث بالفعل في سنة 1886.