سيناريوهات حرب الصين فى تايوان
تمشيًا مع عادتها، فإن الولايات المتحدة لا تبدأ هجومًا مباشرًا على أعدائها، بل تحاول أن تستفز أي عدو، حتى يُقدم على الخطوة الأولى، المُبررة لدخول واشنطن في معركة.. تفعلها الآن مع الصين، بزيارة نانسي بيولوسي إلى تايوان، التي حذرت بكين واشنطن من الإقدام عليها، وتحدث الرئيس الصيني هاتفيًا مع نظيره الأمريكي، محذرًا إياه من (اللعب بالنار، حتى لا يحترق).
ومع ذلك تمت الزيارة، استنادًا على ما قاله الرئيس (شي)، من أن (ليس هذا وقت تفجير أزمات بين بكين وواشنطن)، في الوقت التي تخلت فيه واشنطن عن كون روسيا هي عدوها الأول، وتأتي بكين، لتحتل هذه المرتبة، مما جعل بكين في وضع لا تُحسد عليه عالميًا، وغضب شعبي داخل الدولة الصينية، من ضعف رد الفعل الرسمي لقيادة بلادهم على زيارة بيلوسي لتايوان، ومن ثم جاءت المناورات الصينية الضخمة حول الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي، ذرًا للرماد في العيون، ومحاولة متواضعة لترضية الشعب الثائر من أجل كرامة بلاده، التي أهدرتها بيلوسي، كما يرون.
الآن.. أعلنت واشنطن، أنها بصدد إجراء مناورات في مضيق تايوان، وأرسلت وفدًا جديدًا من الكونجرس، للالتقاء بقيادات تايبيه لمناقشة نقل تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية إلى الولايات المتحدة.. فهل ستقبل بكين بمزيد من التحديات التي تفرضها عليها واشنطن؟
بكين راجعت غزو موسكو لأوكرانيا، ورد الغرب على ذلك، لمعرفة الدروس التي يجب أن تتعلمها القوات المسلحة الصينية.. وأدركت بكين أن الأمر استغرق يومين على الأقل، حتى يستجيب القادة الغربيون بشكل صحيح، عندما شن الرئيس فلاديمير بوتين هجومه على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وأن هذه هي النافذة الزمنية الحاسمة التي يمكن فيها تحقيق مكاسب لا رجعة فيها.. ومن خلال فشل بوتين في السيطرة على كييف، والإطاحة بحكومة فولوديمير زيلينسكي في الساعات الـ48 الأولى من الحرب، يعتقد (شي) أن الروس تركوا الباب مفتوحًا على مصراعيه للحصول على دعم غربي كبير، وأن تجنب ارتكاب نفس الخطأ مع تايوان، سيكون مفتاحًا لتجنب حرب طويلة الأمد، يمكن أن تأتي بنتائج عكسية..
ويتساءلون: متى وكيف، تبدأ بكين حربها في تايوان، تحقيقًا لمبدأ وحدة الأراضي الصينية، وردًا على الإهانة الغربية التي حدثت وتحدث؟
الهجوم يمكن أن يأتي في أقرب وقت ممكن بحلول عام 2023، وسيواجه أي عمل عسكري محتمل (احتمالًا واقعيًا للحرب مع الولايات المتحدة)، وفقًا لسيد هارث كوشال، من مركز الأبحاث الروسي، الذي أكد أن (الجيش الصيني لا يزال قوة متطورة).. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأنه من أكبر جيوش العالم، فإنه لم يُختبر في القتال، وقد يؤدي الفشل إلى تقويض قبضة (شي) على السلطة.
هناك أربعة سيناريوهات محتملة، قد تتطور بالتسلسل أو الترادف:
أولًا: أن تحاصر الصين تايوان.. ويمكن استخدام المناورات العسكرية الموسعة لإنهاك تايوان ماليًا واقتصاديًا وتشغيليًا، ومن شأن ذلك أن يستفز القوات المسلحة التايوانية لتبقى على أهبة الاستعداد لفترات طويلة من الزمن.. كما أنها ستمكن الصين من نشر قواتها ومعداتها العسكرية في أفضل المواقع الممكنة، لتكون قادرة على شن هجمات بسرعة.. وباستخدام تدريبات مثل تلك التي جرت الأسبوع الماضي، يمكن بسهولة إنشاء منطقة جمركية وحظر جوي، مطبقة بالكامل لعزل تايوان عن المساعدات الخارجية.. وتم اختيار المناطق السبع التي تتدرب فيها القوات الصينية حاليًا، لأهميتها في حملة محتملة لإغلاق الجزيرة وإحباط التدخل الأجنبي، وتقول الصين، إن منطقة تحديد هوية الدفاع الجوي في تايوان لم تعد صالحة، وإن أي طائرة تدخل المجال الجوي فوق الجزيرة، ستحتاج إلى إذن من الصين أو تخاطر بمواجهة عسكرية.. ومن شأن مثل هذا الحصار أن يضر باقتصاد تايوان، وسيكون بمثابة خط لمنع الدول الأخرى، وأبرزها الولايات المتحدة، من التدخل عسكريًا.
ثاتيًا: أن تغزو الصين جزيرتي ماتسو وكينمن.. ولطالما نظرت بكين إلى الجزر الصغيرة في مقاطعة فوجيان، التي يقع بعضها على بعد أقل من عشرة كيلومترات من البر الرئيسي للصين، على أنها جزء من أراضيها.. وتشمل هذه الجزر ماتسو، شمال غرب تايوان، وكينمن، وهي سلسلة من الجزر شرق ساحل مدينة شيامن في الصين.. وكاستعراض للقوة ولاختبار العزم الغربي، يمكن لبكين غزو بعض أو كل الجزر، التي يقطنها حوالي عشرين ألف شخص، بأقل تكلفة.. وربما يكون ذلك أقرب إلى استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014.. وهنا، يوفر الاستيلاء على الجزر (مكافأة محدودة للغاية مقارنة بالمخاطر التي تمت مواجهتها).
ثالثًا: تشن الصين هجومًا جويًا وصاروخيًا على البر الرئيسي التايواني لإضعافها، مع تقليل المخاطر التي ينطوي عليها غزو كامل، قد تختار بكين شن هجمات عقابية محدودة من الجو.. وستكون الدفاعات الساحلية ومواقع الرادار والمطارات هي الأهداف المحتملة.. ومن المرجح أن تتجنب الصين استهداف المراكز السكانية الرئيسية، في محاولة لدفع تايوان إلى طاولة المفاوضات، دون إحداث إصابات، من شأنها أن تحفز العزم الشعبي التايواني على الدفاع عن جزيرته.. صحيح، سيكون ذلك تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، لكن الصين قد تشعر بأن الطبيعة المحدودة لأي هجمات، ستكون أقل احتمالًا لإثارة رد فعل من الغرب.. في هذا السيناريو، من المرجح أن تزيد الولايات المتحدة من جاهزية قواتها في المنطقة، وخاصة تلك الموجودة في اليابان، وقد تضع طوكيو أيضًا جيشها على أهبة الاستعداد، وخصوصًا تلك التي تستهدف قدرة الصين على إطلاق الصواريخ الباليستية.
رابعًا: أن تشن الصين غزوًا بريًا كاملًا.. وفي حالة شن هجوم شامل، ستسعى الصين إلى إنزال قواتها في نقاط استراتيجية، والسباق عبر مضيق تايوان الذي يبلغ طوله سبعين ميلًا، تحت غطاء وابل من الصواريخ والطائرات المقاتلة، لتشتيت انتباه أي مدافعين.. ومن المرجح أن تُستخدم الحرب السيبرانية على نطاق واسع، لتعطيل الاتصالات في تايوان وزرع الذعر بين عامة السكان.. وسيكون الهدف هو إرباك دفاعات تايوان في أسرع وقت ممكن، وتحطيم قوة الإرادة للمقاومة.. وهنا، فأمام بكين يومان فقط، للسيطرة على الجزيرة، قبل أن يتمكن الغرب من الرد بشكل كامل، وهو درس تعلمته من الغزو الروسي لأوكرانيا.
ولقطع الطريق أمام أية مساعدات لتايوان، فإن بكين ستسعى بحريًا، من خلال الأسطول السطحي والغواصات إلى تدمير البحرية التايوانية، وأي مركبة هجومية سريعة، قد تحاول وقف تقدم حاملات الجنود، أو زرع الألغام في مواقع الهبوط الاستراتيجية.. وستعمل البحرية الصينية أيضًا كحاجز إلى الشمال والشرق، مما يقطع أي تعزيزات محتملة من اليابان أو الولايات المتحدة.. وستتطلع تايوان إلى الرد باستخدام معدات في مواقع حضرية وغابات وجبلية مخفية، بما في ذلك مدارج قواتها الجوية الصغيرة، وستتم تعبئة السكان المدنيين، كمراقبين للشواطئ وفرق مضادة للدبابات، وفرق مضادة للجو وقوات حرب العصابات.
وستستخدم طائرات استطلاع بدون طيار، ومنصات رادار متنقلة لتحديد الأهداف التي ستدمرها أصول الدفاع الجوي الساحلي، وحاملات صواريخ كروز المتنقلة للدفاع الساحلي، وستكون الاستجابة الدولية مضمونة تقريبًا، تقودها واشنطن، ومن المرجح أن تشمل حلفاءها اليابان وربما أستراليا، ومن المرجح أن تضيف قوى إقليمية أخرى مثل الهند، دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، لكن من غير المتوقع أن تتدخل عسكريًا، (لتجنب الدوس على أصابع قدم بكين). حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.