اليوم العالمى للصداقة
احتفل العالم منذ عدة أيام باليوم العالمى للصداقة حيث يعتبر الاحتفاء به دليلا على أهمية وتأثير الصداقة على سلوكيات ومسلكيات المجتمع.
وقد استوقفتنى تلك المناسبة التى أعتقد أنها لم تكن محل اهتمامنا ولم يشر إليها بإسهاب أى من وسائل الإعلام فى مصر، لأسترجع وأراجع مفهوم الصداقة ومعناها الإنسانى ودورها فى المجتمع خاصة على ضوء تلك المتغيرات التى نعيشها حالياً والتى شهدت العديد من التحولات المسلكية والتى باتت تؤرق الأسرة المصرية، حيث انتشر العنف وأصبح يمثل إحدى سمات المجتمع خاصة بين أوساط الشباب.
لقد تناول العديد من المثقفين والمفكرين مفهوم الصداقة، حيث استقروا جميعًا على أنها من أهم القيم التى تؤثر على سلوكيات المجتمع لأنها تأتى من الصدق الذى هو نقيض الكذب وتدعو لإسداء النصيحة الصادقة، فالصديق هو المصادق لك وهنا نتذكر جميعًا سيدنا أبوبكر الصديق الذى سمى بهذا الاسم لقربه من صديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أول من صّدق على رسالة الإسلام وآمن بها لثقته فى صديقه وراح يدافع ويدفع عنه الأذى كما صاحبه فى رحلة الهجرة من مكة إلى المدينة ورغم خطورتها لم يتخل عنه أو يتركه وكان أول من حمل الرسالة والأمانة بعد وفاة رسول الله فتولى الخلافة ودافع عن الإسلام وحارب المرتدين حتى عادوا للإسلام وذلك لقناعته برسالة صديقه ومدى تأثيرها الإيجابى علي العالم.. هذه هى الصداقة فى أسمى معانيها.
جاء الاحتفال باليوم العالمى للصداقة بناء على مقترح من منظمة اليونسكو اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تم تحديد يوم 30 يونيو من كل عام للاحتفال بتلك المناسبة وجاء فى حيثيات ذلك أن الصداقة تشكل ثقافة السلام وتوجه إلى مجموعة من القيم والتقاليد وأنماط السلوك القويم وأساليب الحياة المعتدلة وتدفع لاتجاهات تعبر عن التفاعل والتكافل الاجتماعيين على أساس من مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح والتضامن ونبذ العنف وتسعى لمنع نشوب المنازعات عن طريق معالجة أسبابها الجذرية.
وإذا تحدثنا عن الصداقة فى مفهومها الاجتماعى وأيضًا الأمنى وهو أساس ما نريد الوصول إليه اليوم من هذا المقال نجد أن الإنسان يتأثر بوعى أو بغير وعى بمخالطة صديقه وهذا الصديق قد تكون له اتجاهات وقناعات ضد المجتمع الذى يعيش فيه ينعكس على مواقفه السياسية أو الإجتماعية أو الثقافية أو الدينية تجاه هذا المجتمع ويمكن لهذا الشخص أن يؤثر سلبًا على أصدقائه خاصة إذا كان لديه القدرة على الإقناع ليشكل معهم مجتمعًا صغيرًا رافضًا أو ناقمًا على هذا المجتمع ليصل بهم الأمر لتكوين جماعات متطرفة تنتهج أسلوب العنف لتحقيق الهدف الذى قد يكون هدفًا جنائيًا أو سياسيًا أو إرهابيًا.
أما إذا كانت الصداقة قائمة على أساس المحبة والاحترام فهى تعود بالنفع على الفرد والمجتمع حيث تدعو إلى السلوك القويم والأخلاق الحميدة فالصديق الصالح يأخذ بيدك للرشد وطاعة الله والبعد عن العنف والتطرف.
ولقد كان الإسلام سباقًا فى وضع أسس وقواعد اختيار الصديق فقد قال الله تعالى فى سورة الزخرف "الأخِلاّء يؤمئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين" صدق الله العظيم.
وهنا نرى أن القرآن حثنا على حسن اختيار الصديق، كما جاء فى الحديث الشريف "مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير"، فحامل المسك إما ان يحذيك أو أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة" صدق رسول الله.
إننا اليوم ندعو شبابنا لأن يحسنوا اختيار اصدقائهم وأن يبتعدوا عن أصدقاء السوء الذين يذهبون بهم إلى غياهب الفساد والضلال والكذب والعنف وأن يكون اختيارهم قائمًا على مصاحبة الأخيار الذين يساعدونه على الاستقامة فى الحياة ورباط الخير والإيثار وزيادة الأعمال الصالحة التى تعود بالنفع والخير على المجتمع.
كما ندعو الأسرة إلى متابعة ومعرفة أصدقاء أبنائهم والوقوف على أخلاقهم وسلوكهم لكى يبعدوهم عن أصدقاء السوء لحمايتهم وحماية مستقبلهم وألا يغفل الأب عن دوره فى ذلك خاصة على ضوء تفشى الجريمة والمخدرات وتغير المبادئ والقيم التى تربى عليها أجيالنا الصالحة.
وإذا كنا نتحدث دائمًا عن الوعى والتوعية التى تسهم فى بناء المجتمعات الصالحة فإننى أنتهز تلك المناسبة للدعوة إلى عقد العديد من اللقاءات والندوات والأحاديث الدينية للشباب لمساعدتهم فى اختيار الصديق الصالح والبعد عن الصديق الطالح وأن يبنى بينه وبين أسرته جسرًا من الصراحة والصدق فى الحديث عن الأصدقاء الذين يتعامل معهم لأنه من المؤكد أن خبرة الآباء والأمهات سوف تسهم إلى حد كبير فى حماية أبنائهم من الانزلاق فى علاقات وصداقات تؤثر على حياتهم ومستقبلهم وتدفع بهم لعالم مجهول ومصير معتم نتمنى من الله ألا يصل إليه شباب هذا الوطن الذين يرسمون مستقبله المشرق ويشاركون فى تحقيقه.. تحيا مصر.