وزير الأوقاف: التكافل والتراحم من أهم عوامل استقرار المجتمعات
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، اليوم، خطبة الجمعة بمسجد فاطمة النبوية بالقاهرة، بعنوان "دروس من الهجرة النبوية".
وقال وزير الأوقاف: إننا عندما نقف عند دروس الهجرة النبوية المشرفة فإننا نجد دروسًا عظيمة لا يمكن أن يستوعبها حديث واحد، ولكننا نتوقف عند جانب من بعض الدروس المستفادة من هجرة الحبيب (صلى الله عليه وسلم).
وأوضح أن الدرس الأول في بناء الدولة، عندما استقر النبي (صلى الله عليه وسلم) شرع في بناء دولته في المدينة المنورة، وكان ابتداء بنائها ببناء المسجد النبوي الشريف لما لبناء المسجد من أثر في حياة الناس جميعًا، حيث يقول سبحانه: "إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ" ويقول سبحانه: "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ"، وما نحن فيه اليوم بفضل الله ومنه وعونه هو إذن من الله لعمارة هذا المسجد الذي نفتتحه اليوم، في إطار خطة متكاملة تقوم عليها الدولة المصرية لعمارة بيوت الله (عز وجل) بصفة عامة، ومساجد أهل البيت بصفة خاصة، وهذا كله من عمارة الكون، نسأل الله أن يجزي من قام عليها ووجه بها ودعمها وشارك فيها خير الجزاء.
وبين: أن العمارة قد تكون حسية بالبناء والتشييد، أو الصيانة والتطوير، وقد تكون معنوية بالذكر وقراءة القرآن ومقارئ القرآن، التي نعمل على نشرها وإقامتها في ربوع مصر وجميع مساجدها، وكذلك بتحصين أطفالنا من خلال البرنامج الصيفي للأطفال، فكل ذلك في الدولة المصرية هو عمارة لبيوت الله (عز وجل) مبنى ومعنى، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ".
ولفت إلى أن الإسلام معنيٌّ بالجانب الحياتي والروحي معًا، فإلى جانب مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) أقام (صلى الله عليه وسلم) سوق المدينة، لتتكامل حركة العمران بين عمارة بيوت الله (عز وجل) وعمارة الكون، وكما أسس النبي (صلى الله عليه وسلم) مسجده على التقوى أسس سوق المدينة على التقوى، فشخصية المسلم المؤمن لا تنفصم، فلا يصح أن تكون مؤمنًا تراقب الله في مسجدك ولا تراقب الله في سوقك، فمن لم تكن مراقبته لله في سوقه كمراقبته لله في مسجده فهو أحد أمرين إما أن يكون تدينه تدينًا زائفًا يتكسب به، وإما أن يكون فهمه للدين فهمًا خاطئًا.
وأشار إلى أن من أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية المشرفة هو التكافل المجتمعي، فالدولة لجميع أبنائها وهي بهم جميعًا، فكما آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بين أفراد المجتمع من خلال وثيقة المدينة المنورة التي رسخت أسس التعايش السلمي بين أبناء المجتمع، فقد آخى بين المهاجرين والأنصار بكل ما تحمله كلمة الأخوة من معانٍ، فالإسلام قائم على التكافل والتراحم والأخذ بيد الفقير، حيث يقول (صلى الله عليه وسلم): "إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ" ويقول (صلى الله عليه وسلم): "ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به"، فالدين قائم على التكافل والتراحم وأن يأخذ القوي بيد الضعيف والغني بيد الفقير، والمؤاخاة أعلى درجات التكافل، فديننا دين التكافل والتراحم ومن فرج عن إنسان كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، فإذا كان الصديق وقت الضيق، فالأخ مع أخيه في الضراء قبل السراء وفي العسر قبل اليسر والشدة قبل السعة، فقد آخى النبي (صلى الله عليه وسلم) بين المهاجرين والأنصار، يقول الحق سبحانه: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، فهذا هو الإيثار ولا سيما في أوقات الشدة.
ونوه بأنه إذا كانت الدولة المصرية معنية بالتكافل بين أبنائها، فقد أعلن الرئيس عن برنامج متكامل لتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأولى بالرعاية، وإن ما يقوم به السيد الرئيس من توفير حزم برامج الحماية الاجتماعية عبر مؤسسات الدولة المختلفة الخاصة والعامة هو عين التكافل، فهذا أوان التكافل وهذا أوان التراحم، وإذا أردنا أن نأخذ عنوانًا كبيرًا من أهم الدروس المستفادة من الهجرة النبوية المشرفة فلنأخذ عنوان: (التراحم والتكافل بين أبناء المجتمع جميعًا)، يقول الحق سبحانه وتعالى: "هَا أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم"، ويقول سبحانه: "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" فالشكر يكون بقضاء حوائج الناس، مؤكدًا أن سد حوائج الفقراء أعلى ثوابًا وأعظم أجرًا في هذا التوقيت من تكرار العمرة.
وأكد وزير الأوقاف على ما حث عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) من صيام يوم عاشوراء، مع استحباب صيام يوم قبله أو يوم بعده ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) في بيان فضل صوم هذا اليوم: "صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.