«أحدهم طلب نشر صورته وهو يضحك».. أسرار كاتبة صحفية من داخل غرفة تنفيذ حكم الإعدام
طلبت الصحفية فاطمة السيد من الصحفي مصطفى أمين أن تغامر بحضور تنفيذ أحكام الإعدام، وروت تجربتها في كتابها "مذكرات صحفية في غرفة الإعدام".
شتاء فبراير عام 1959
توجهت الكاتبة الصحفية فاطمة السيد لحضور تنفيذ أول حكم إعدام في سجن الاستئناف، وصفت مشاعرها: "رأيت المتهم يشنق وقفت بجواره رأيت جثة تتدلى من حبل المشنقة، كان الجميع ينظرون إلى وجهي، ظنوا أنى سيغمى علي أو أصرخ، لكنني وقفت والقلم في يدي لأسجل كل ما أراه، لم أخف ولم أصرخ".
حققت تجربة "فاطمة" صدى واسعًا في الوسط الصحفي، وثار الكاتب الصحفي مصطفى أمين على المصور محمد رشوان لأنه لم يلتقط صورتها وهي داخل غرفة الإعدام.
كانت تحضر أكثر من تنفيذ حكم إعدام في اليوم الواحد، ففي اليوم الأول لخوضها التجربة حضرت إعدام ثلاثة رجال، وخمسة في المرة الثانية بينهم امرأتان، تروي: "كان ينفذ الحكم في مذنب واحد، وكان عشماوي يأخذ استراحة مدتها نصف ساعة بين كل محكوم عليه وآخر ليعد الغرفة السوداء ويعلق الحبل الذي سينفذ به الحكم".
اختيار حبل تنفيذ حكم الإعدام وقتها كان يستورد من الخارج، ولكل مجني عليه حبل يناسب وزنه وطوله لتتم عملية تنفيذ الحكم حسبما ينص عليها القانون، ومع الحبل كانت توضع طاقية الإعدام ذات اللون الأسود، يضعها عشماوي على رأس المحكوم عليه قبل تنفيذ الحكم لتخفي عينيه، حتى إشارة تنفيذ الحكم يصدرها رئيس هيئة التنفيذ مشيرا بيده لعشماوي إشفاقا على المذنب من سماعها.
أول منظر تقع عليه عينا الكاتبة الصحفية أثناء توجهها لحضور تنفيذ الحكم هو منظر العلم الأسود الذي يحلق فوق سارية سجن الاستئناف في قلب باب ميدان باب الخلق، يرفعه أحد الجنود في السابعة والنصف من صباح اليوم، سألت: "لماذا يرفع هذا العلم؟"، أجابها محمود السقا وكيل النيابة وممثلها في هيئة تنفيذ الحكم: "المحكوم عليه بالإعدام يرتدي البذلة الحمراء داخل الزنزانة حتى يتذكر في لونها الدم الذي أراقه، أما اختيار اللون الأسود فهو ليس حداد على المذنب، ولكنه إعلان عن بشاعة جريمته السوداء، وعن سواد مصيره وسواد طريقه الذي سلكه في ظلام الجريمة، واللون رمز لحداد المجتمع على المجني عليهم".
تحكى الكاتبة الصحفية، أن أحد ضباط السجن كان يبكي وهو يصحب المحكوم عليه من زنزانته قبل تنفيذ الحكم.
لحظة تنفيذ الحكم- حسبما تروي فاطمة السيد- يتواجد طبيب السجن ليسجل الدقائق التي استمر فيها نبض من نفذ فيه الحكم قبل أن يسلم الروح، ويظل عشماوي يراقب الدقائق التي استمر فيها النبض بقلق، لأن اللائحة تنص على أنه إذا زادت المدة عن خمسة عشر دقيقة يحكام عسكريًا.
لم يغب مشهد سجن استئناف باب الخلق الذي حضرت فيه "فاطمة" جميع عمليات تنفيذ الإعدام، ولا تزال تشعر برعدة الخوف إذ مرت أمامه صدفة، إذ تستعيد الذكريات فتشفق على نفسها من اللحظات القاسية التي عاشتها.
ولفتت فاطمة السيد في كتابها "مذكرات صحفية في غرفة الإعدام" إلى أن عشماوي هو لقب لكل مساعد شرطة يقوم بتنفيذ الأحكام، والتقت للمرة الأولى بالصول محمد علي زنفل، وصفته: "كان رجلا ضخم الجثة متين البنيان وهو أول شرط لاختياره حتى يقوم بعمله على أكمل وجه، تعلوه رقبة غليظة فوقها وجه أبرز ما يميزه شارب كث وعينان واسعتان واللون قمحي، كان عشماوي يومها يرتدي بنطلون أسود وفانلة صوف لونها كحلي".
يعمل عشماوي موظفا في الداخلية، ويحصل على مرتبه مقابل عمله في الشرطة، ولابد أن تتوافر فيه شروط صحة الجسد وثبات الأعصاب، وتجرى عليه اختبارات طبية بعدها يدرب على أداء مهمته في تنفيذ الأحكام، ويحصل على مكافأة قدرها 5 جنيهات عن كل جاني، ويحصل كل مساعد على 3 جنيهات. حسب كتاب فاطمة السيد.
روى عشماوي لـ "فاطمة" أنه يتدرب على أداء مهمته، خاصة وأنه كان مساعدًا لعشماوي سابق قبل أن يحال إلى المعاش. واعترف أنه شعر بخوف بسيط في أول تنفيذ لحكم الإعدام، وبعدها أصبح الأمر عاديًا.
قبل يوم تنفيذ الحكم يجهز رفقة مساعديه الحبل الذي سيشنق به المذنب والغرفة السوداء والطاقية السوداء، وبعدها يذهب لبيته يتناول عشاءه.
تقضي لوائح السجن بإخفاء يوم تنفيذ الإعدام عن المذنب، لكن بعضهم يشعر من حضور أقاربه لزيارته، ومن سؤاله إن كان له طلب معين لإحضاره، وفي حالات قليلة حسبما روى أحد ضباط سجن الاستئناف لـ "فاطمة" يقوم أحد الحراس بإبلاغ المذنب بموعد تنفيذ الحكم إذا كان بينهما نوع من الألفة، وذلك بغرض أن يعرف أنه عائد إلى الله فيندم ويتوب عما فعل.
يستجاب لرغبة المذنب قبل تنفيذ الإعدام، إذا كانت في حدود المعقول، إذا طلب أن يزوره أحد أقاربه حتى ولو كان في مكان بعيد، يستدعى للزيارة وينبه عليه بأنها الزيارة الأخيرة ويجب وأن يخفي ذلك عن المذنب.
وحكى مأمور سجن الاستئناف أن أحد المذنبين كانوا يطلبون أنواعا فاخرة من الطعام، كالتفاح والدجاج والمشوي؛ فيستجاب له وتحضر له على العشاء، أما قبل تنفيذ الحكم مباشرة، فتستجاب رغبته إن كانت معقولة وسريعة ولا تعطل تنفيذ الحكم، مثلا، إذا طلب سيجارة أو قهوة وبعضهم لا يطلب شيئا.
وحدث أن استعرض أحد زعماء العصابة قوته وشجاعته، وكان له طلب قبل تفنيذ الحكم أن يتناول فنجان من القهوة السادة وسيجارة، وطلب زوج كان قد ارتكب مع شركته جريمة قتل ثلاث ضحايا أبرياء للحصول على 3 جنيهات يكمل بهما مهر العروسة، فكان له آخر طلب وهو على حبل المشنقة أن تظهر صورة التي التقطها مصورو الصحف وهو يضحك.