«العدو الشرس».. كيف غير الحسد أحوال إبراهيم المازني في عالم الكتابة؟
الكاتب والشاعر إبراهيم المازني، لم يكن شخصًا عاديًا بمقاييس عصره، فهو رجل يمتلك أدوات اجتهاد كثيرة كانت كافية لتؤهله لأن يكون في مكانة مرموقة مجتمعية، وإن كان قد نال جزءً منها في حياته.
أيقن المازني، أن الحسد عدوٌ شرس يهاجمه في كلّ طريقٍ يسلكه، وسيظلّ معه في عداء مستمر، فإن هو أظهر نبوغًا تلقفته ألسنة الحسّاد، وإن أبدى إنجازًا تجمع عليه الحاج والداج، فلم يجد حلًا للتخلص منه إلا بطريقةٍ ارتضاها لنفسه، بأن يحارب نفسه بنفسه، لكن كيف ذلك، بحسب مقال نشره الدكتور علي زين العابدين الحسيني، أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر، في جريدة «أوروك» الملحق الأدبي، العدد (51) بتاريخ: 8-2-2022.
وتابع العابدين: "وهو في سبيل ذلك كان دائمًا ما يحاول توصيل فكرة إلى أذهان عارفيه أنّه يقدم محتوى أدبيًا لا يستحق التكريم، ويكتب كتابة لا تحتاج إلى حفاوة، وأنّه ما لجأ إلى فكرة الاشتغال بالأدب إلا لحرصه أن يجد مصدر رزقه، ولو كان الأمر بيده لانشغل بغيره من الأعمال".
وأوضح أن المازني، حاول بهذه الحيلة الزكية صرف عيون أعدائه عنه، والعدو - مهما كان، إذا وجد شخصًا ينقص من قدره بنفسه، ولا يحتفي بعمله فلن يزيد من عداوته، وفي أقل تقديرٍ أنّه سينقطع عنها يوماً ما، ولأن كثيرًا من حاسديه كانوا ذوي مروءة بالمقارنة مع أهل عصرنا، فمنعتهم تلك المروءة أن يجابهوا المازني بشيء مما يؤذيه بعد انتقاص المازني نفسه.
ونوه بأنه وعي أيضًا أنّ تصغير غيره له فيه من معاني الضعة ما فيه، وأما تصغيره لشأنه ففيه معنى التواضع المشتمل على هضم النفس والعزة والأنفة في معنى واحد؛ إذ لا ينتظر عزيز النفس أحدًا ينقده أو يذكر مساوئه، فيسارع هو إلى الاعتراف بها؛ ليفوت على خصومه لذة التجني عليه.
ولم يكن للمازني، وسيلة للحصول على الرزق غير أدبه، فكان يربأ بنفسه أن يغشى مواضع الهلكة والخصومة بسبب لقمة عيشه، ولكي يبعد نفسه عن نكد الخصومة وأسباب النقد رأى أن ينزل من قدر نفسه، ويقلل من قيمة كتاباته، ويغض من جدوى فنه.
هو بذلك يريد تفويت الفرصة على الجاني، فلا يقدم على إهانته ونقده، إما لمروءته، أو لفقد لذة التجني عليه، إذ المجني عليه يعترف بتقصيره، فلا حاجة للالتفات إلى أقوال الجاني.
كان هذا غالب أحواله، وإنْ كان قد خاض معارك كثيرة، لكن حين النظر تبدو أنّه أكره عليها، وهو في ساحة القتال الأدبيّ صاحب قلم سيّال، شديد العارضة، وله في معاركه الأدبية شيء يميزه عن غيره تكاد تلحظه بين سطور كتاباته، أنّه يقاتل مُعارضه بالتهكم عليه والسخرية منه أكثر من معارضته بالحجة والبيان.