على جمعة: سعة رحمة الله بخلقه عنايته بهم واستخلافهم فى الأرض
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن من سعة رحمة الله تعالى بخلقه عنايته بهم بعد استخلافهم في الأرض بموالاة إرسال الرسل إليهم بالهدى كلما نسوا وضلوا مع أخذهم بالحلم والإمهال لمسيئهم.
وأضاف: «شملت رحمته عز وجل جميع خلقه، مؤمنهم وكافرهم، لكنه سبحانه أولى أولياءه رعاية خاصة؛ وأحاطهم بعنايته وصانهم من كل سوء، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل عبادا يحييهم في عافية ويميتهم في عافية ويبعثهم في عافية ويدخلهم الجنة في عافية». (المعجم الأوسط).
وتابع «جمعة» عبر صفحته الرسمية: «ممن أحاطهم الله سبحانه بعنايته وجعلهم في رعايته وخلدهم بذكره لهم في القرآن الكريم أصحاب الكهف، وهم فتية من صالح قومهم، ثبتوا على دين الحق لما شاع الكفر والشرك في قومهم وانتشر الباطل والبغي في ديارهم (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) [الكهف:13] هم فتية تبين لهم الهدي في مجتمع ضل عن الله تعالى ولا حياة لهم في هذا المجتمع إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها فلا سبيل لهم إلا أن يفروا بدينهم إلى الله وأن يختاروا معيشة الكهف على زينة الحياة الدنيا».
وأوضح «جمعة»: «هكذا يعرضهم القرآن الكريم كنموذج للإيمان في النفوس المؤمنة; كيف تطمئن به وتؤثره علي زينة الأرض ومتاعها: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) [الكهف:16] , وتحكي القصة كيف يحفظ الله هذه النفوس المؤمنة ويقيها الفتنة ويشملها بالرحمة; فالكهف ضيق خشن وبعيد عن العمران والناس، ولكن حمى الله أوسع وأرحم، ورعاية الله للمؤمنين أرحب وأعظم».
وأضاف: «فها هم شباب مؤمنون أووا إلى الكهف; فضرب الله على آذانهم فناموا سنين طويلة، ثم يأذن الله ببعثهم بعد هذه السنين: (وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ) [الكهف:19] وهم لا يدرون كم لبثوا، فكل ما يعلمونه أنهم أدركهم النوم فناموا ثم استيقظوا، ثم رأوا أنه لا طائل من هذا السؤال وليس من المهم معرفة الجواب، ففوضوا الأمر لله وانصرفوا إلى شأنهم وقالوا: (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ)». [الكهف:19].
وأوضح: «هكذا يدرك هؤلاء الفتية بعد استيقاظهم ونزولهم المدينة أنه في فترة نومهم قد تغيرت الأحوال وطويت الدهور وزالت دول وقامت أخري، وفي الوقت ذاته يعلم الناس الذين استيقظوا في عهدهم أن قدرة الله تعالي لا يحدها حد وأن رعايته لأوليائه لا نهاية لها وأن وعد الله حق: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا)». [الكهف :21].
وأكد ولما ظهر أمرهم وبانت معجزاتهم تنازع الناس في عددهم فجاء التوجيه: (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا) [الكهف:22]، وإنما كان ذلك صيانة للطاقة العقلية أن تتبدد في غير ما يفيد، ولئلا يقفو المسلم ما ليس له به علم، إذ هذه أحداث طواها الزمن فهي من الغيب الموكول علمه إلى علام الغيوب.