في ذكراه.. هكذا كانت آمال وآلام يوسف إدريس في مطلع شبابه
31 عاما مرت على وفاة الكاتب يوسف إدريس، الذي رحل عن عالمنا في 1 أغسطس لعام 1991، عن عمر ناهز الـ64 عاما، تاركا إرثًا كبيرًا من المؤلفات في القصة والرواية والمسرحية، فقد طرح مجموعة من القيم الفنية والفكرية والتي كان لها أثر كبير في جيل كامل من الكتاب الشباب.
في حوار له بمجلة "الأقلام" بعددها رقم 2 الصادر بتاريخ 1 فبراير 1987 كشف يوسف إدريس عن آماله وآلامه في مطلع الشباب، قائلا: الحقيقة أنه في مطلع الخمسينات كانت مصر تتحرك لتأخذ أوضاعا جديدة تماما في العالم، تنسلخ من كونها دولة محتلة خاضعة إلى حد كبير للنفوذ الإنجليزي والغربي بشكل عام، إلى دولة مستقلة متحررة، وواكب هذا ثورة داخل كل فئات الشعب تقريبا، ليس من أجل الاستقلال فقط ولكن من أجل تحقيق قدر كبير من القضايا الاجتماعية، والخروج من العصر الإقطاعي والرأسمالية الأجنبية إلى عصر وطني صناعي، في نفس الوقت كان المثقفون المصريون والمفكرون والكتاب الشبان - الذين كنت أحدهم - يطمحون إلى ثورة ثقافية وطنية هدفها التعريف على هويتنا الوطنية الخاصة، وتنقية الحياة الثقافية من الانحرافات التي كانت موجودة، وما سمي بأدب الأقطاع وأدب الصالونات، إلى أدب شعبي حقيقي أصيل، وكان في مصر تقريبا ثلاث ثورات "سياسية واقتصادية" يقودها جمال عبدالناصر، وثورة ثقافية وأنا كنت أحد القائمين عليها، وإن المؤسسة الثقافية التي كانت موجودة في هذا الوقت كانت ترفض هذه الثقافة الجديدة، كانوا يصرون على أن يظل الأدب العربي أدب لغة.
وتابع: أي أن الذي يعرف لغة عربية جيدا، أو خريج أزهر أو دار علوم يكون هذا هو الكاتب - فجئت أنا وأحدثت ثورة في اللغة - اللغة الفنية وليست العامية، حاولت اكتشاف الأشكال الروائية والقصصية المصرية وليست المعتمدة على النموذج الأوروبي، واكتشاف شخصية الإنسان المصري متمثلة في العودة إلى المنبع - القرية والحارة والزقاق - لاكتشاف المنابع الأصلية للشخصية المصرية، واكتشاف اللغة الفنية عند الشعب، وليست اللغة العامية.
واستطرد: كان لا بد من تطوير اللغة المكتوبة بحيث تتواءم مع الحياة، وإدخال الكثير من التعابير والموسيقى والألفاظ داخل اللغة المكتوبة، وأنني كنت - وما زلت - أعتبر الأدب العربي في مرحلتين؛ الأولى: منذ العصر الجاهلي إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، والثانية وهي المرحلة الحديثة جدا، من الخمسينات إلى الآن، وتتمثل في عدة مراحل التأصيل، الاكتشاف، والبحث عن الذات المصرية والعربية، والتعبير عن آمال وآلام وطموحات شعب جديد ثار ووجد نفسه.
وأضاف: يمكن أن نعتبر كل هذا من الأحلام والآمال التي كانت تجيش بصدري، وإذا كانت الأحلام ضخمة جدا، والعقبات كثيرة، وكان مدى الأحلام قصير.. فكنت مثلا، أتصور أنه بحلول عام 1960 يكون قد تم حل جميع مشاكل مصر الحديثة - كالفقر والجوع والمعاناة، وسوف نقدر على إنشاء أدب عظيم كبير إنساني - بالطبع لم تسر الأمور بهذا الشكل، حيث العقبات الكثيرة جدا، وعلى رأسها القائمين على الثورة السياسية والاقتصادية لم يكن عندهم الإحساس الملم بحتمية وأهمية التغيير الثقافي في البلد، وكان ممثل الثورة في وهذا يوسف السباعي.. كان رومانسيا ولم يكن ثوريا، كان يمتد إلى العصر القديم.