أحمد بهاء الدين وثورة يوليو
يعتبر أحمد بهاء الدين بحق أحد أهم رموز الصحافة المصرية، بل والعربية فى النصف الثانى من القرن العشرين. ولد بهاء الدين فى عام ١٩٢٧، وتكوَّن فكريًا فى العصر شبه الليبرالى قبل ثورة يوليو، وأصبح من أهم وجوه الصحافة بعد الثورة؛ إذ تولى رئاسة تحرير المجلة الوليدة «صباح الخير» فى الخمسينيات. واستطاع بهاء الدين بذكاء شديد أن يحافظ على مساحة ود مع السلطة، مع تغير الرؤساء، ولكن فى الوقت نفسه بهامش كبير من الحرية لقلمه الصحفى. وحتى عند اختلافه مع السلطة أحيانًا، فإن خصومته كانت فى حقيقة الأمر خصومة شريفة.
على أى حال فإن ما يهمنا هنا هو موقف بهاء الدين من ثورة يوليو، وأيضًا تحليله العميق لتطور مسار هذه الثورة. وسنستند هنا إلى ما قدمه بهاء الدين فى هذا الشأن فى شهادته التاريخية التى قدمها فى البرنامج الإذاعى الشهير «شاهد على العصر» الذى كان يقدمه الإعلامى عمر بطيشة.
بدايةً يعتبر بهاء الدين نفسه أحد أبناء ثورة يوليو، ويميل بهاء الدين إلى الفرضية القائلة بالحتمية التاريخية لثورة يوليو. وفى ذلك يقول بهاء الدين: «أنا أعتقد أن الثورة قد جنبت مصر حربًا أهلية». ويؤكد بهاء فرضيته من خلال ذكر تطور الأحداث العامة فى مصر قبيل الثورة. ويركز على أحداث العنف التى شهدها الشارع المصرى من قتل وتفجيرات لبعض البنوك والشركات، هذا فضلًا عن انتشار ظاهرة الإضرابات وصولًا حتى إلى إضراب الشرطة نفسها، وحريق القاهرة فى ٢٦ يناير ١٩٥٢، وينتهى بهاء إلى الحتمية التاريخية من وجهة نظره: «لم يبق من الفئات إلا الجيش الذى عبَّر عن غضبه يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢، والجيش هو الأداة القادرة على التغيير».
وفى الحقيقة يتحدث بهاء هنا عن الأزمة الاجتماعية والسياسية التى عانت منها مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هذه الأزمة التى أزعجت حتى الدوائر الغربية؛ إذ تشير الوثائق الأمريكية إلى التخوف من حدوث ثورة شيوعية فى مصر من جراء الأزمة الاجتماعية الحادة لا سيما فى الريف المصرى، وعجز الحكومات عن التعامل بجدية فى هذا الأمر. من هنا كان طرح مشاريع الإصلاح الزراعى قبيل الثورة، لكن كبار الملاك أعاقوا تمرير هذه المشاريع فى البرلمان المصرى. وعلى ذلك يرى بهاء أن ثورة يوليو هى ثورة بيضاء، وأنها «لو لم تقع بهذه الطريقة السلمية التى قامت بها لحدثت حرب أهلية مدمرة».
ومن النقاط المثيرة الأخرى التى يطرحها بهاء حول تطور الثورة، سؤاله عن «متى انتهت ثورة يوليو؟» وبخلفيته القانونية ينظر بهاء إلى الثورة ليس كشعارات ولكن كحالة استثنائية يطلق عليها «الشرعية الثورية»، وهى حالة مطلوبة لإصدار تشريعات ضرورية تحاول أن تعالج الخلل الاجتماعى والسياسى الذى أدى إلى قيام الثورة. ويرى بهاء أن حالة «الشرعية الثورية» لا يجب أن تدوم إلى الأبد؛ إذ يجب الانتقال إلى حالة «الشرعية الدستورية». وعلى ذلك يعتبر بهاء أن صدور الدستور الدائم فى عام ١٩٧١ هو بمثابة انتهاء للشرعية الثورية والانتقال إلى الشرعية الدستورية: «معظم الناس يذكرون موعد قيام الثورة فى ٢٣ يوليو ٥٢، ولكن الكثيرين لا يعرفون متى انتهت الثورة، بمعنى أساليبها وأحكامها وقوانينها. لقد انتهت بأن أعلن أحد أصحاب هذه الثورة- السادات- عن أن مرحلة الشرعية الثورية قد انتهت وأننا بدأنا مرحلة الشرعية الدستورية».
وبالقطع لن يرضى بهاء عن الخروقات والتعديلات على دستور ١٩٧١ بعد ذلك، سواء من طرف السادات أو مبارك. كما لا بُد من التذكير أن الدعوة لكتابة دستور دائم للبلاد كانت أحد بنود بيان ٣٠ مارس ١٩٦٨ فى عصر عبدالناصر وفى أعقاب مظاهرات الشباب.
على أى حال يميز بهاء بين الثورة كحالة شرعية استثنائية، والثورة كمبادئ: «فالثورة أمران: مبادئها ووسائلها، المبادئ يبقى منها ما هو صالح للبقاء ومئات السنين، أما وسائلها العنيفة فطبعًا لا تكون مكتوبة فى دستور عادى».
وبالقطع لا يعتبر ذلك تأييدًا لعصر السادات، فالجميع يذكر النقد الشديد لبهاء لسياسة الانفتاح الاقتصادى «انفتاح سداح مداح» دفاعًا عن مبادئ ثورة يوليو، رغم ترحيبه بانتهاء الشرعية الثورية.