الأنبا نيقولا أنطونيو: الروم الأرثوذكس اليوم مواطنون مصريون خالصون
قال الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، ومُتحدث الكنيسة في مصر إن: «الرومية هي اتجاه حضاري وثقافي هِلِّينِي (يوناني) عرفته منطقة حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط وآسيا الصغرى، والروم هم أحفاد هذا التراث الهِلِّينِي الحضاري يحملون ثقافته التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم التي تختلف عن ثقافة غيرهم من الأمم كالعرب والفرس، وهذا التراث الهِلِّينِي لم يكن حالة قومية بل حالة امتزاج عرقي ووحدة حضارية وسياسية بين شعوب آسيا الصغرى والشرق (الشام الكبرى، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) ومصر».
الروم قبل المسيحية
وأضاف، في تصريح له: «قبل المسيحية، الروم القدامى (الهِلِّينِيُون القدامى) هم «الإغريق» أتباع «الإمبراطورية المقدونية الإغريقية» التي أنشأها الإسكندر الأكبر، الذين هاجروا إلى مصر بشكل جماعات من التجار منذ وصول إسكندر المقدوني إلى مصر في عام 332 ق.م، ثم من بعد المملكة البطلمية (323-30 ق.م)».
بعد المسيحية
وتابع: «بعد المسيحية، الروم الجُدد (الهِلِّينِيُون الجُدد) هم شعوب «الإمبراطورية الرومانية الواحدة» التي سادت فيها التي سادت فيها التقاليد الرومانية- الهِلِّينِيَّة، المعروفة لدى العرب باسم «الإمبراطورية الرومية»، وبعد احتلال الرومان مصر في عام 30 ق.م، منذ ذلك العهد، أصبحت مصر مقاطعة رومانية تضم معظم مصر الحالية ما عدا شبه جزيرة سيناء. وقد بقى جنوب مصر محتفظ بمصريته عابس صامت، وقلّما اصطبغ فيه شيء بالصبغة الرومانية بعيدًا عن مَصب النيل في الشمال، ولم تكن روما تُعِد مصر ولاية تابعة لها، بل كانت تُعدّها من أملاك الإمبراطور نفسه، وكان يحكمها حاكم مسئول أمامه وحده، وبقيت اللغة اليونانية في ذلك العهد هي اللغة الرسمية».
وأكمل: «أصبح جميع مَن يعيشون في مصر من رعايا الإمبراطورية الرومانية الواحدة، فكان منهم من كانت أصوله يونانية أو رومانية، ومنهم من كانت أصوله مصرية ومثقف بالثقافة الهِلِّينِيَّة واللغة اليونانية كبعض سكان شمال مصر (الإسكندرية والقاهرة والدلتا ومدن ساحل البحر المتوسط)، حيث كانت الثقافة الهِلِّينِيَّة واللغة اليونانية منتشرة، والذين منهم مَن اقتنى الرعوية الرومانية، كما كان منهم من كانت أصوله مصرية وغير مثقف بالثقافة الهِلِّينِيَّة واللغة اليونانية، خاصة الذين في جنوب مصر، وفي القرنين الثاني والثالث الميلادييّن انتشرت المسيحية في الإمبراطورية الرومانية الواحدة، وكانت مدينة الإسكندرية ومدينة أنطاكية ومدينة أورشليم عواصم الثقافة المسيحية الرومية، قبل انتقال النفوذ والتأثير إلى مدينة روما ثم إلى مدينة القسطنطينية».
في نهاية القرن الرابع
وأردف: «في نهاية القرن الرابع بعد تقسيم الإمبراطور ثيودوسيوس الأول (الأكبر) (379-395م) الإمبراطورية الرومانية الواحدة، عام 391م، إلى «إمبراطورية رومانية شرقية» و«إمبراطورية رومانية غربية»، أصبح المصريون من رعايا الإمبراطورية الرومانية الشرقية، التي عُرفت بـ«الإمبراطورية الرومية شرقية»، والتي حَدَدت الهِلِّينِيَّة (اليونانية) هويتها وسادت فيها اللغة اليونانية، وفي كتب التاريخ القديم أكثر من اشتهر وأُطلق عليهم اسم «الرّوم» هم شعوب الإمبراطورية الرومانية الشرقية».
واستطرد: «في مصر سادت اللغة اليونانية بين سكان شمال مصر إلى جانب اللغة القومية المستخدمة في التعاملات اليومية، أما في جنوب مصر فقد سادت اللغة القومية، وكان المصريون المثقفون بالثقافة اليونانية (المتهِلِّينِين) والروم المتمصّرين في الشمال، والمصريون غير المثقفون بالثقافة اليونانية (غير المتهِلِّينِين) في الجنوب، جميعهم متعايشون في وحدة، كما كان الكثير من قادة الجيش والحكام والأساقفة من أبناء مصر وهذا ما ينفي نظرية الاحتلال الغريب ويؤكد نظرية «الامتزاج والتطور الحضاري الطبيعي».
انقسام المسيحيين في مصر حول «خلقدونية»
وواصل: «في نهاية القرن الخامس، فيما بعد المجمع المسكوني الرابع المنعقد في مدينة خلقيدونية عام 451م، أصبح الانتماء الكنسي يحدد هوية سكان الشرق (الشام الكبرى، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) ومصر من المسيحيين، وانقسم المسيحيون إلى خلقيدونيين وغير خلقيدونيين، في مصر كان الخلقيدونيون هم المصريون ذوي الثقافة الهِلِّينِية والروم المتمصّرين في الشمال، وكان غير الخلقيدونيون هم المصريون من غير المتهِلِّينِين وأكثريتهم في الجنوب».
واستكمل: «بعد دخول العرب المسلمين إلى مصر استمر الانتماء الكنسي يحدد هوية المصريين، ذلك من خلال تعامل الدول الإسلامية من جهة مع الروم الخلقيدونيين، الذين عُرفوا عندهم بـ«الملكيين»، ومن جهة أخرى مع غير الخلقيدونيين، فكانت أحوال الروم تتحسن أو تسوء بتحسن أو سوء العلاقات بين الدول الإسلامية وبين دولة الروم».
وأضاف: «فيما بعد، على عهد محمد علي باشا (1805-1848م) بانفتاحه وبتحسن أوضاع الروم في مصر، حضر إلى مصر كثير من الروم الذين كانوا من أتباع الدولة العثمانية، من اليونان، ومن الشرق ذوي الأغلبية المسيحية وهؤلاء أُطلق عليهم «شوام مصر»، بالإضافة إلى الروس الذين حضروا من روسيا خاصة بعد الثورة البلشفية، والذين عُرفوا بـ«الروس البيض»، وهؤلاء جميعًا واستقروا في مختلف مدن مصر إلى جانب روم مصر، خاصة أنه في ظل الخديوي إسماعيل كانت مصر المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية».
وتابع: «وقد ساهم هؤلاء جميعًا في تأسيس مصر الحديثة، وكان لهم دورًا طليعيًا في تحديث المجتمع وعصرنته، وإنشاء دور الصحف، وتحديث الطباعة والنشر، وكذلك العمل في المهن الحرة والمصارف، وكانوا جزءًا من الطبقة الثرية والمتعلمة».
واختتم: «وهؤلاء الروم الذين أتوا إلى مصر من اليونان ومن الشرق على عهد محمد على باشا لم يكونوا مجرد مهاجرون إنما استقروا في مصر واستوطنونها وحصلوا على الجنسية المصرية، اليوم هم مواطنون مصريون قدموا ويقدموا الكثير، ويلتحقون بالجيش المصري والشرطة المصرية ويُجندوا، مثلهم مثل الروم المصريون وغيرهم من المصريين».