نورا ناجى: الكتابة عملية تجميل للوحدة.. وأعبر عن الإنسان من خلال الحكى عن النساء (حوار)
أعبر عن هموم الإنسان من خلال قصص النساء والواقع يتغير لكن ببطء
سيرة رضوى عاشور ألهمتني والتجديد في شكل الكتابة فرض عين على الكاتب
في سبع سنوات فقط استطاعت الكاتبة نورا ناجي أن تحفر اسمها في عالم الكتابة الأدبية في مصر، حيث قدمت 6 أعمال متتالية ما بين الرواية مثل "بانا" و"بنات الباشا" و"أطياف كاميليا"، والترجمة المختلطة بالنقد في "الكاتبات والوحدة" والقصص القصيرة في "مثل الأفلام الساذجة".
عبرت نورا ناجي عن هموم النساء الشابات من الطبقة الوسطى في المدن الصغيرة وعواصم الدلتا وقاربت نوعا من النسوية يختلف عن نسوية المثقفات القاهريات ذوات النزعة العربية.
تتحدث نورا ناجي، في حوارها لـ"الدستور"، عن القضايا الفكرية التي تبنى عليها عالمها الروائي، ونظرتها للكتابة والوحدة، لنناقش معها أبرز أعمالها الروائية والفنية، كما تتحدث عن روايتها المقبلة والمنتظر صدورها عن دار الشروق، وكقارئة تذكر نورا ناجي الكُتاب المفضلين لديها، وترشح بعض الأعمال الأدبية التي تحبها للقراء.
في البداية في روايتك "بنات الباشا" وفي مختلف أعمالك دائمًا ما يكون للمرأة دور هام ورئيسي، كيف تنظر نورا ناجي إلى قضية النسوية العربية؟ وهل ترى أن هناك تغيرات قد طرأت للأفضل خلال السنوات الأخيرة؟
- أكتب عن القضايا النسائية لأنها تختصر لي كثير من القضايا الإنسانية بشكل عام، والأدب يحاول التعبير عن معاناة الإنسان وأسئلته، وأرى أن النساء يصيبهن الجزء الأكبر من المعاناة الإنسانية.
وأكتب أيضًا عن الرجال وعن قضاياهم المختلفة، وفي بنات الباشا كان هناك شخصيات لرجال ولكننا لا ننتبه إليهم.
توجد تغيرات تحدث على الساحة العربية بشأن القضايا النسوية، ولكنها تغيرات بطيئة لدرجة تجعلها غير ملحوظة، ولكن بكل تأكيد التغيير سيأتي بالتراكم، وأرى أن الكاتبة تكتب عن تلك القضايا لعلها تعالج ذات يوم.
ولكن لا وجود لتغيرات حقيقية والأمور تبدو وكأنها تسوء، ولكن الوعي يقاوم ويزيد في مواجهة ذلك، والمجتمع يعاني من هذا الانحدار الأخلاقي في كل القضايا وليس فقط في القضايا النسوية.
في روايتك "أطياف كاميليا" كان هناك سؤال حاضر وبقوة عن علاقة الفنان بالمدينة، وهل الفنان يستطيع تغيير الواقع أم العكس هو الذي حدث؟ وعن سؤال الحرية وسلبها من الإنسان.. كيف تنظر نورا إلى هذه الأسئلة؟ سؤال علاقة الفنان بالمدينة؟ والإنسان والحرية والتغيير؟!
- علاقة الفنان بالمدينة علاقة أزلية، وأي فنان يتأثر حتمًا بمدينته وبالبيئة التي نشأ فيها، ويتأثر بتوجهات هذه البيئة الثقافية والأيدولوجية، وحتى مظاهرها الدينية، وأخلاقها سواء السامية أو المنحطة، والفنان يتأثر ويرتبط بهذه الأشياء المحيطة به.
الفن قادر على تغيير الواقع والواقع يؤثر على الفنان ولكن لا يغيره، وأي فنان حقيقي تكون معاملته للواقع مختلفة، حيث يكون هذا الفنان في منطقة حساسة أو وسطية بين الواقع والخيال، الواقع لا ينعكس على الفنان ولكن العكس هو الذي يحدث، حيث يحاول الفنان تغيير الواقع، وقد يغيره أحيانًا.
الفنان يجب أن يدافع عن معاني الحرية، ويواجه الديكتاتورية والقهر والسلطة، بكافة تلك المعاني، فالفنان يدافع عن قيم الجمال، والإنسان بشكل عام تكون بداخله قيود على حريته وحرية الآخرين، ويجب أن يتخلص الفنان من هذه القيود، وأن يساعد الآخرين في التخلص منها. فلو الفنان غير مؤمن بالحرية فهو ليس فنانًا.
في نفس الرواية "أطياف كاميليا" كان هناك سؤال حاضر وبقوة عن مواجهة الإنسان لقيم وعادات المجتمع.. أريد تعليق على نظرة نورا لهذه العادات؟
- بصفتي مؤمنة بالحريات لا أهاجم العادات والتقاليد حتى لو كانت لا تناسبني، فقط لا أفعلها، ولكنها لو كانت تناسب شخص آخر فلا أملك تقييده، فمثلًا أنا لا أحب النقاب، ولكنني سأدافع عن حق المرأة إذا أرادت أن تنتقب، وسأدافع عنها إذا تعرضت لموقف ما.
وطالما كانت العادات والتقاليد لا تؤذي الآخر ولا تحض على العنف، فأنا لست ضدها، لأنني ضد العنف والظلم والقهر والعنصرية، أنا ضد هذه القيم وطالما كانت عادات المجتمع بعيدة عن ذلك فلا مانع.
ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لنورا ناجي؟
- الكتابة هي الحياة بالنسبة لي، وتجعلني أستيقظ كل صباح هي وابنتي، لو هجرتني الكتابة، أو انتهيت منها أو انتهت مني لن تصبح لحياتي قيمة، وقبل أخذ قرار لي في حياتي أسئل نفسي هل سيعطلني هذا عن الكتابة فأنا أخذ كل قراراتي بكوني كاتبة.
في قصة "ثقب باتساع العالم" في مجموعتك القصصية الأخيرة "مثل الأفلام الساذجة" نجد أن الوحدة كانت سبب في كسر بعض الحواجز.. كيف تنظر نورا إلى مفهوم الوحدة ومدى تأثيره على الفرد تحديدًا أن أغلب أشخاص نورا سواء في هذه المجموعة أو في أعمال أخرى يشعرون بالوحدة أو تجمع بينهم الوحدة؟
- الوحدة إشكالية في كل أعمالي، ويبدو إنني أحاول التصالح مع الوحدة عبر الكتابة، الوحدة قاسية ولكنها قد تكون نجاة لبعض الأشخاص. وهناك أشخاص تناسبهم الوحدة.
وفي قصة "ثقب باتساع العالم" هي ليست وحدة ولكنها حب للتقوقع أو البيت، الشخصية تبحث عن مساحة شخصية لها، تريد أن تملك حيزا هادئا لها، حتى لو كان حيزا ضيقا، وأحاول تجميل الوحدة في كتابتي، كعادة الفن يحاول تجميل الأشياء القاسية.
في قصة "عروس النبي دانيال" نرى محاولات للتمرد على العنف الزوجي.. كيف تنظر نورا إلى هذه القضية؟
- في قصة "عروس النبي دانيال" تناولت فكرة العنف الزوجي، وهي قصة قصيرة ومكثفة عن العنف الزوجي، وعن أن العنف الزوجي قد يدفع المرأة لحب التلاشي أو الاختفاء.
في كتابك "الكاتبات والوحدة" تناولتي أجزاء من حياة بعض الكاتبات.. من هي الكاتبة العربية المفضلة لنورا ناجي؟ ومن هي الكاتبة الأجنبية المفضلة لديك؟! وما الكتب التي ترشحيها من أعمالهن؟
- أحب نوال السعداوي ورضوى عاشور على المستوى العربي، وأحب الكاتبة الأمريكية سوزان سونتاج للغاية.
أرشح ثلاثية المذكرات الشخصية لنوال السعداوي، و"أثقل من رضوى" لرضوى عاشور، و"حول الفوتوغراف" و"المرض كاستعارة" و"الالتفات إلى ألم الآخرين" لسوزان سونتاج، التي أعتبرها مثقفة وإنسانة كبيرة شديدة الذكاء.
تلقى الأعمال الأدبية لنورا ناجي استحسان كثير من القراء، وغالبًا ما تكون في قوائم الأكثر مبيعًا.. ولكن كيف تنظر نورا ناجي إلى الجوائز؟
- لا أكتب من أجل الجوائز، ولا أنظر للجوائز أثناء الكتابة، والتقدير قد يأتي من تقييم القراء وليس من الجوائز فقط.
فقط أكتب حين يلح علي موضوع وفكرة ما، وأشعر أن هناك فكرة سيطرة على أفكاري. فأنا أكتب لأنني أريد أن أكتب ولكن بعد الانتهاء من الكتابة أتمنى أن تنال التقدير، هذا لو كانت الكتابة تستحق التقدير، سواء من القراء أو من الجوائز، فالجوائز شيء مهم وبمثابة دفعة للكاتب وتساعد في انتشار الكتاب.
جاءت طنطا بكثير من الأدباء الذكور وأظن أن نورا ناجي من الكاتبات القليلات جدًا اللاتى أصبحن معروفات عند القراء دون أن يكن من أبناء المدن الكبيرة، وأظن هي الوحيدة في جيلها التي تعيش في مدينة صغيرة.. تعليقك؟!
- وسائل التواصل الاجتماعي ألغت الفوارق بين المدن الصغيرة والمدن المركزية أو الكبيرة، وطنطا ليست مدينة صغيرة، وعدم وجود وسائل ترفيه كثيرة داخل طنطا على عكس المدن الأكبر منها أو العاصمة، يدفع الكثير للقراءة والكتابة، حتى لو كانت الآن فرص القراءة صعبة مع ارتفاع أسعار الكتب ولكن هناك طرقا أخرى نستطيع من خلالها القراءة مثل الاستعارة، ويشرفني الانتماء إلى هذه المدينة التي أحبها للغاية.
أعلنت دار الشروق منذ فترة قصيرة عن مشروع رواية جديدة سيتم إصدارها قريبًا.. هل ممكن إضافة تفاصيل حول الرواية؟
- في روايتي الجديدة أقدم طريقة سرد مختلفة، وأتمنى أن تلقى القبول، أنا أحب الكتابة ما بعد الحداثية، أحب التجريب، لا أميل لشكل الرواية التقليدية والكلاسيكية، ذات النمط الواحد، وأحب أن أبني رواياتي بأسلوب جديد.
تتحدث الرواية عن الخيبات التي أصابت جيلي، من يناير ٢٠١١ وحتى الكوڤيد، لا تتحدث ولا تهتم بالسياسة أو الأحداث ولكنها تهتم بالإنسان، وبتأثير ما حدث على أبناء جيلي من الفنانين.
أخيرًا من هو الكاتب العربي المفضل لنورا ناجي القارئة وأي عمل ترشحه من أعماله؟ ونفس الأمر لكاتب أجنبي؟!
بالطبع نجيب محفوظ، أحب له "أفراح القبة" و"حديث الصباح والمساء" وأحب الكتابة المختلفة فيهم والتجريب.
وأحب الكاتبة الكندية الحاصلة على نوبل أليس مونرو، وأرشح من أعمالها "رقصة الظلال السعيدة"، هي مميزة للغاية في مجال القصة القصيرة، هذه الكاتبة مدهشة، تهتم باللحظات العابرة لتسرد ما خلفها، تستطيع التعبير عن الإنسان بطريقة مختلفة تصل إلى أعماقه وباطنه.