ثورة يوليو والإعلام الوطنى
فى الاحتفالات بثورة 23 يوليو وخلال عام 1960 انطلقت أول إشارة بث للتليفزيون المصرى لترسل مشاعل الثقافة والتنوير والحضارة لأبناء الشعب المصرى من خلال برامج ومسلسلات مازالت فى أذهان كبارنا حتى الآن وأتذكر أن ساعات البث اليومى كانت خمسة ساعات فقط، كنا ننتظرها بكل إحترام وإهتمام لأن ما كان يقدم خلال تلك الساعات الخمس كانت موضوعات وبرامج تحترم مشاهديها وتخاطب ثقافاتهم المختلفة بل واعمارهم المتباينة ولعل نسب المشاهدة الكبيرة التى تحققها محطة قناة ماسبيرو الآن والتى تبث جانباً من تلك البرامج تؤكد على ذلك.
كانت بدايات بزوغ نجم الشيخ محمد متولى الشعراوى فى برنامج نور على نور للإعلامى القدير أحمد فراج، ثم كانت حفلات السيدة أم كلثوم والمسلسلات التى كان يكتبها كبار مثقفى مصر والتى لم تكن تحمل أى إسفاف او إستخفاف بعقول المشاهدين.
وكانت برامج الأطفال التى تقدمها الإعلامية الكبيرة نجوى إبراهيم والبرامج الحوارية والثقافية والاجتماعية التى كانت تستضيف العظماء من أهل الفكر والفن والثقافة ليكون كل برنامج يمثل وجبة دسمة من وعاء علمهم وثقافتهم وهنا أتذكر الدكتور طه حسين ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم وأنيس منصور وهم يجتمعون معاً فى لقاءات على الهواء مباشرة وكل منهم يمثل بمفرده كياناً ثقافياً مستقلاً بذاته ولكنهم ينصهرون معاً فى لقاء موحد يجمعهم معاً ليقدموا للمواطن المصرى عصارة ثقافتهم وافكارهم وتجاربهم الحياتية ليكونوا قدوة لأجيال صادفها الحظ والتوفيق لينهلوا من هؤلاء العظماء.
لم تكن هناك قنوات فضائية تبحث عن الفضائح والهيافات والخزعبلات لتحقيق ما يسمى بالتريندات حتى ولو كان ذلك على حساب خصوصيات وفضائح وأسرار العائلات تؤدى لخراب البيوت وهدم الأسر ونشر ثقافات غريبة على المجتمع المصرى.
اليوم وبعد مرور 62 عاماً على بدء البث التليفزيونى نجد أن هناك تراجعًا كبيرًا فى الدور التوعوى الذى كان يقوم به التليفزيون منذ ان بدأ إرساله حتى أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى أشار أكثر من مرة تلميحًا وتصريحًا بأن منظومة الإعلام بشكل عام والقنوات الفضائية بشكل خاص فقدت قدرتها على التأثير الإيجابى على المشاهد واتجهت لبرامج الطبخ والهيافات ونشر ثقافات ومسلسلات لا تتواءم مع تقاليدنا أو ثقافاتنا بل وتؤدى لنشر الرذيلة والعنف والجريمة وهو ما نشاهد آثاره حاليًا فى الشارع المصرى.
لقد قام التليفزيون المصرى بمواجهة هزيمة 1967 من خلال الإعداد النفسى وتهيئة الشعب المصرى لتجاوز تلك الهزيمة ورفع الروح المعنوية له ولقواته المسلحة من خلال عرض الأغانى الوطنية والمسلسلات التحفيزية والأفلام التى تدعو للتماسك والاتحاد والاستعداد لمعركة استرداد الكرامة وهو ما حدث بالفعل عام 1973 وهنا نجد أن الإعلام الشريف الذى يستهدف صالح الوطن وتماسكه ساهم بدور كبير وفعال فى تحقيق هذا الإنتصار العظيم.
ومن المهم أن نشير هنا إلى أن الجمهورية الجديدة يجب أن تتضمن إعلامًا قويًا يواكب تلك الانجازات التى نراها تتحقق يوميًا فى مختلف المحافظات، وأيضًا يجب أن يتبنى القضايا المهمة التى يتعرض لها الوطن داخليًا وخارجيًا لينقل للمواطن حجم التحديات التى تتعرض لها البلاد مثل قضية سد النهضة ومحاولات تصدير صور سلبية عن الأوضاع الداخلية للبلاد وذلك من خلال برامج حوارية على مستوى تلك التحديات تستضيف خلالها النخب المتميزة من رجال الفكر والثقافة والدين الذين لديهم قبولاً ومصداقية فى الشارع المصرى بحيث يتمكن هؤلاء من تصحيح وجهه نظر المواطنين وقناعاتهم والتأثير الإيجابى عليهم على نحو مغاير لما يحاول أهل الشر تصديره لهم.
كذلك الحال بالنسبة لتوعية الشباب سياسيًا وثقافيًا ودينيًا لأجل خلق جيل جديد يتواكب مع متطلبات العصر من مهارات ثقافية وتوعية دينية وكذلك مناقشة ما يتم تناقله على شبكات التواصل الاجتماعى سواء كان ذلك تأييدًا أو تكذيبًا لها، وفى ذات الوقت ضرورة العمل على ايجاد توازن منطقى ومقبول فى أفكار الشباب لمساعدتهم فى التمييز بين واقع ما يحدث فى الشارع والخيال الذى يعرض فى الأفلام الأجنبية وأيضًا المصرية التى تعتمد على لغة العنف والوصول من خلال هذه اللغة لانتصار الشر على الخير على عكس الحقيقة.
بطبيعة الحال فإنه لكى نصل لتحقيق تلك الأهداف يجب الاهتمام بالعنصر البشرى من العاملين فى التليفزيون المصرى الذى يضم كوادر من خيرة الإعلاميين على مستوى الجمهورية لدرجة أن العديد من القنوات الفضائية تجتهد للحصول على خدماتهم فى بعض البرامج التى تقدمها خاصة السياسية والاقتصادية.
كذلك الحال فيما يتعلق برجال الدين الذى يقع عليهم عبئًا كبيرًا فى نشر الوعى الوسطى بين أبناء الوطن وخصوصًا بين الشباب وهنا فإننى اقترح مراجعة الأزهر الشريف ودار الافتاء ووزارة الأوقاف لتحديد الشخصيات الدينية التى تظهر على شاشات التليفزيون المصرى بدلاً من ظهور هؤلاء الذين يقومون بإصدار الفتاوى والتفسيرات التى تسئ للأديان وتنشر ثقافة العنف أو التشكيك أو التفكيك بين أواصر الشعب المصرى الواحد.
إننى انتهز هذه الفرصة لأعرب عن تمنياتى أن يعود تليفزيون الدولة لسابق عهده منارة للعلم والثقافة والوعى والوسطية والتسامح وأن يكون داعمًا للدولة وانجازاتها وقائدها الرئيس عبدالفتاح السيسى.. وتحيا مصر.