جولة الرئيس الأوروبية
إلى القاهرة، عاد الرئيس عبدالفتاح السيسى، مساء أمس الأول الجمعة، بعد جولة أوروبية، شملت ألمانيا وصربيا وفرنسا. وليس صعبًا على أى مراقب أن يرصد تقدير قادة الدول الثلاث لمصر، واعتزازهم بالروابط التاريخية التى تجمعها ببلادهم، وحرصهم على دعم مسيرة العلاقات المشتركة فى مختلف المجالات، وإدراكهم دور مصر المحورى وتقديرهم الجهود التى تبذلها لإرساء دعائم الأمن والاستقرار فى قارة إفريقيا ومنطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط.
من ألمانيا، انطلق الرئيس، الثلاثاء الماضى، إلى العاصمة الصربية بلجراد، بعد زيارة استمرت يومين، ترأس خلالها الجلسة رفيعة المستوى لـ«حوار بيترسبرج للمناخ»، بمشاركة المستشار الألمانى أولاف شولتس، الذى جمعته به جلسة مباحثات ثنائية، سبقتها جلسة أخرى مع الرئيس الألمانى فرانك فالتر شتاينماير، تناول فيهما، كما تناول لاحقًا، مع الرئيسين الصربى والفرنسى، ألكسندر فوتشيتش وإيمانويل ماكرون، أبرز الملفات والموضوعات المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، والوضع الاقتصادى الدولى الصعب الناتج عن الأزمة الأوكرانية، خاصة على صعيدى الغذاء والطاقة، والتأثيرات السلبية غير المسبوقة التى شهدتها الأسواق العالمية بسبب الأزمة. وتم التوافق على أن الوضع الحالى يفرض على كل الفاعلين الدوليين، التحلى بالمسئولية لإيجاد حلول وآليات عملية تخفف من تداعيات الأزمة على الدول الأكثر تضررًا.
فى هذا السياق، أكد الرئيس، أو جدّد تأكيده، على رؤية مصر بأهمية إبقاء الباب مفتوحًا أمام الحوار والحلول الدبلوماسية، مع كل الأطراف المعنية. وخلال مناقشة أزمات منطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط، أكد مجددًا، أنه لا سبيل لتسوية تلك الأزمات إلا من خلال حلول سياسية، تحافظ على وحدة أراضى تلك الدول وسلامة مؤسساتها الوطنية وتوفر الأساس الأمنى لمكافحة التنظيمات الإرهابية ومحاصرة عناصرها، ومنعهم من الانتقال إلى دول أخرى. بالضبط، كما جدّد الرئيس تأكيده على موقف مصر الثابت بشأن التوصل إلى حل عادل وشامل يضمن حقوق الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة وفق المرجعيات الدولية.
مستجدات القضية الفلسطينية، كانت على رأس الملفات الإقليمية التى تناولها الرئيس مع قادة الدول الثلاث، الذين أعربوا عن تقدير بلادهم البالغ للجهود المصرية ذات الصلة، سواء بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو فى الداخل الفلسطينى بما فيها جهود إعادة إعمار غزة، وأبدوا تطلعهم إلى تكثيف التنسيق المشترك مع مصر حول تلك القضية ومجمل قضايا الشرق الأوسط، فى ضوء الثقل السياسى المصرى فى محيطها الإقليمى، مشيدين فى هذا السياق بالجهود التى تبذلها مصر لدعم مساعى التوصل إلى حلول سياسية للأزمات القائمة. وحرصًا على أمن واستقرار منطقتى الشرق الأوسط وشرق المتوسط والقارة الإفريقية، توافق القادة على أهمية التنسيق والتشاور خلال الفترة المقبلة بشأن مختلف الملفات ذات الاهتمام المتبادل أو المشترك.
ما يجمع دول العالم، أو ما ينبغى أن يجمعها، هو سعيها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة الأممية ٢٠٣٠، من خلال قيام كل دولة بتنفيذ هذه الأهداف وفقًا لرؤيتها الوطنية. ولعل تأثيرات وتبعات وباء كورونا، ثم الأزمة الروسية الأوكرانية، وما سبقهما، وتزامن معهما، وسيلحق بهما، من كوارث بيئية ومناخية، تكون قد أوضحت، أكدت أو أثبتت، أن العمل المشترك هو السبيل الوحيد، للتغلب على تلك التأثيرات أو التبعات.
انطلاقًا من هذا التصور، تسعى مصر، منذ ثمانى سنوات، إلى تحقيق التعاون الإنمائى الفعال مع الدول الصديقة وشركاء التنمية، بشكل ثنائى أو متعدد الأطراف، لتنفيذ الأهداف التنموية الأممية، استنادًا إلى أولوياتها الوطنية: رؤية مصر ٢٠٣٠ للتنمية المستدامة، التى ربطت تحقيق التنمية الاقتصادية بالبعد الاجتماعى. ثم جاءت استضافتها الدورة المقبلة لمؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، كوب ٢٧، لتؤكد، بشكل عملى، أنها لم تدخر جهدًا، لدفع المجتمع الدولى، إلى الحفاظ على مكتسبات التنمية، والانتقال من مرحلة التعهدات إلى التنفيذ، وتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف.
.. أخيرًا، واستكمالًا لتلك المساعى، أطلع الرئيس قادة الدول الثلاث على استعدادات مصر الجارية لاستضافة القمة الأممية فى نوفمبر المقبل. كما ناقش، أيضًا، مع عدد من كبار مسئولى ومستثمرى تلك الدول سبل تطوير آفاق التعاون المشترك فى المجالين الاقتصادى والتجارى، وزيادة الاستثمارات فى مصر، واستعرض الفرص الواعدة التى تتيحها المشروعات التنموية الكبرى، خاصة فى قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة، صناعة الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء، بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التى هى جزء من رؤية أشمل تستهدف الاستغلال الأمثل لمقومات المنطقة الاقتصادية، والاستفادة من الموقع الاستراتيجى على جانبى الممر الملاحى الأهم فى المنطقة، وبوابة ربط القارة الإفريقية بأوروبا وآسيا.