العصا والجزرة.. كيف تتعامل إسرائيل مع ملف العمالة الفلسطينية؟
أصبح ملف العمال الفلسطينيين فى إسرائيل جزءًا من حسابات الحياة السياسية، ليس فقط لارتباطه بالملف الاقتصادى، وإنما أيضًا لارتباطه بالأزمات الأمنية والسياسية، التى حولت مسألة تصاريح العمل، فى الآونة الأخيرة، إلى مسألة تخضع لسياسة التهدئة أو العقاب للفلسطينيين.
ورغم التوجه العام لدى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فى السنوات الأخيرة لزيادة أعداد التصاريح للعمالة الفلسطينية، فإن تلك التصاريح أصبحت تستخدم للابتزاز والمساومة، مقابل رفع مستوى التنسيق الأمنى، خاصة مع قطاع غزة، كما تعد ضمانًا لالتزام سكان القطاع بالتهدئة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
توجه عام لزيادة تصاريح العمل رغم تراجعها أحيانًا بسبب التوترات الأمنية
عشية وصول الرئيس الأمريكى، جو بايدن، إلى إسرائيل، أعلنت حكومة يائير لابيد عن زيادة التصاريح التى تخوّل لسكان قطاع غزة العمل فى إسرائيل، لكن بعد إطلاق ٤ صواريخ من القطاع تجاه إسرائيل، السبت الماضى، تم الإعلان عن تعليق تلك الزيادة.
وكانت حكومة «لابيد» قد صرحت بأنها تعتزم منح ١٥٠٠ تصريح عمل إضافى لسكان القطاع، ليزيد عدد التصاريح اليومية من ١٤ ألفًا إلى ١٥٥٠٠ تصريح، لكن وحدة وزارة الدفاع الإسرائيلية «كوغات»، المكلفة بتنسيق الشئون المدنية فى الأراضى الفلسطينية، قالت فى بيان لها، إن وزير الدفاع بينى جانتس قرر تعليق القرار ردًا على إطلاق الصواريخ.
وبشكل عام، وخلال الشهور الأخيرة، اهتمت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالى بينيت، قبل تفككها، بزيادة حصة تصاريح الدخول للعمال الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية.
وقال «بينت»، خلال نقاش فى لجنة الخارجية والأمن فى الكنيست، إنه أصدر تعليمات تقضى بزيادة عدد العمال الذين يدخلون من قطاع غزة إلى إسرائيل إلى ١٥ ألف عامل، ثم أعلن عزمه فى يونيو الماضى عن إضافة ٢٠٠٠ تصريح جديد.
فيما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلى بينى جانتس، وقتها، وبعد الانتهاء من إجراء تقييم أمنى شامل بشأن آخر المستجدات فى الضفة والقطاع، عن أن تلك التصاريح ستجرى وفقًا للمعايير المعمول بها فى المؤسسة الأمنية، وبناء على تشخيص أمنى يخضع له كل عامل على حدة.
ومنذ أعوام، كان عدد العمال الفلسطينيين فى إسرائيل لا يتجاوز ٥ آلاف عامل، لكنه أخذ فى الارتفاع بمقدار بضعة آلاف كل عدة أشهر.
وحسب تقارير، صدرت فى يناير الماضى، فإن عدد العمال الفلسطينيين فى إسرائيل، من الضفة والقطاع، وصل إلى ١٠٦ آلاف عامل، إضافة إلى ٣٠ ألفًا يعملون فى مستوطنات الضفة، وعشرات الآلاف الذين يدخلون إسرائيل من دون تصاريح.
وظهر هذا التوجه على طاولة الحكومة الإسرائيلية خلال عهد رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، وفى عام ٢٠٢٠، رغبت الحكومة فى رفع عدد تصاريح العمل من قطاع غزة إلى ٧ آلاف، وكان ذلك جزءًا من التفاهمات غير المباشرة مع حركة حماس الفلسطينية بغرض وقف المسيرات بالقرب من السياج الحدودى، لكن تلك التسهيلات لم تتحقق بسبب جائحة كورونا.
وبعد ذلك، تم وقف دخول العاملين من القطاع وقفًا كاملًا مع بدء العملية الإسرائيلية «حارس الأسوار» على غزة، التى انطلقت فى شهر مايو ٢٠٢١، لكن بعدها بدأت الأعداد فى التزايد تدريجيًا، وتتولى المؤسسة الأمنية فى إسرائيل فحص الخلفية الأمنية للعمال الفلسطينيين قبل إعطاء تصاريح العمل.
تل أبيب تستخدم التصاريح للمساومة.. وقطاع البناء يستحوذ على 70% منها
تمر عملية استخراج تصاريح العمل للفلسطينيين، خاصة من قطاع غزة، بإجراءات متعددة، فعلى كل عامل فلسطينى يرغب فى العمل على الجانب الإسرائيلى أن يرفع طلبًا إلى وزارة العمل فى القطاع، التى تديرها حركة «حماس» بشكل كامل، ثم يدرس الطلب، وينقل إلى مندوبى السلطة الفلسطينية فى القطاع، ومنها إلى رام الله لفحصها، ونقلها إلى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التى تفحص الطلبات، ومن يجرى قبوله يكون عليه دفع ضرائب إلى وزارة الشئون المدنية فى القطاع.
وإذا كان العامل الفلسطينى من الضفة فإن الإجراءات تكون أقصر، إذ يجرى التقدم بالطلب مباشرة إلى السلطة الفلسطينية.
وحول التوزيع الجغرافى للعاملين فى إسرائيل، تتربع محافظة الخليل على رأس مناطق الضفة الغربية من حيث عدد الفلسطينيين الذين يعملون خلف الخط الأخضر، بسبب قربها الجغرافى من المدن الإسرائيلية الكبرى، مثل تل أبيب وأشدود، وتأتى بعدها مناطق جنين، ثم بيت لحم، ورام الله.
وتعد مناطق طوباس وأريحا من أقل المحافظات الفلسطينية من حيث حصتها من تصاريح العمل فى الداخل الإسرائيلى، نظرًا لاعتماد سكانها على الزراعة.
أما من حيث مجالات العمل داخل إسرائيل، فإن العمل فى مجال البناء يعد أكثر المجالات استقطابًا للعمالة الفلسطينية، وهو ما تثبته الأرقام الرسمية، التى توضح أن ٧٠٪ من العاملين داخل الخط الأخضر يعملون فى مجالات البناء، فى حين يعمل ٢٢٪ منهم فى مجالات الزراعة، أما من تبقى منهم، وهم نسبة ٨٪، فيعملون فى قطاع الصناعة والخدمات.
ويرجع ارتفاع العاملين فى مجال البناء على حساب القطاعات الأخرى إلى خطة حكومات إسرائيل فى العمل على بناء مزيد من الوحدات السكانية فى المستوطنات الجديدة.
ويأتى تفضيل السلطات الإسرائيلية للعامل الفلسطينى عن العامل الأجنبى، سواء من الآسيويين أو الأفارقة، إلى أن العامل الفلسطينى ينفق أمواله التى يحصل عليها ضمن نفس الدائرة الاقتصادية، كما أن عددًا كبيرًا من العمال الفلسطينيين يتقن اللغة العبرية، كما أن عودة العامل الفلسطينى فى نهاية اليوم إلى منزله فى الضفة أو غزة يقلل من الأعباء الأمنية على إسرائيل.
تعد خطة زيادة تصاريح العمل للفلسطينيين جزءًا من المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على الأوضاع الأمنية، خاصة على حدود قطاع غزة، لمنع تجدد الاشتباكات العسكرية، وتقليل احتمالات تنفيذ العمليات ضد إسرائيليين.
يأتى ذلك انطلاقًا من رؤية إسرائيل لما يسمى «السلام الاقتصادى»، وفكرة أن تسيير حياة الفلسطينيين سيجعلهم أقل ميلًا للعنف، لأنهم ببساطة سيكون لديهم ما يخشون خسارته.
وتهدف إسرائيل أيضًا إلى استغلال تلك الرؤية فى تسهيل التفاوض مع حركة حماس، لأن زيادة التصاريح يمكن اعتبارها بادرة حسن نية، وتؤدى أحيانًا إلى شراء الوقت وتأجيل المواجهة العسكرية، ومنع الفصائل الفلسطينية من إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل.
ورغم محدودية الخطوات الإسرائيلية فى هذا الاتجاه فإنها تحدث تغييرًا تدريجيًا فى الأوضاع الاقتصادية فى القطاع، خاصة عند وضعها جنبًا إلى جنب مع خطوات زيادة المساحة المسموح للأهالى بالصيد فيها، والسماح بزيادة تصدير البضائع الزراعية والنسيج من غزة إلى إسرائيل ودول أخرى، وكذلك السماح بدخول المزيد من مواد البناء إلى القطاع.
وتهدف التسهيلات الاقتصادية إلى تحقيق استقرار فى الوضع الاقتصادى فى القطاع، ومنع الانفجار، الذى قد يحدث بسبب الأزمات الاقتصادية، خاصة أن مكتب الإحصاءات الفلسطينى قد أعلن عن أن معدل البطالة بلغ ٥٠٪ خلال النصف الأول من سنة ٢٠٢١، قبل الحرب على غزة، التى ألحقت ضررًا كبيرًا بالبنية التحتية والاقتصاد فى القطاع، ما يعنى أن معدل البطالة اليوم أصبح أعلى بكثير.
ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، عن مسئول بالقطاع، قوله إن هناك أكثر من ٣٠٠ ألف شخص يبحثون عن العمل فى غزة، ما يعد دليلًا على حجم الضائقة المعيشية التى يعانى منها الأهالى، لذا فإن أذونات العمل التى وافقت إسرائيل على إعطائها لن تحدث تغييرًا كبيرًا فى الأوضاع.