ثورة 23 يوليو
قبل سبعين سنة «اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم».. و«تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها». وعلى ذلك، قام رجال من قواتنا المسلحة بتطهير أنفسهم وولوا أمرهم لرجال يثقون فى قدرتهم وفى خلقهم وفى وطنيتهم. وبحلول صباح ٢٣ يوليو ١٩٥٢، قامت «الحركة المباركة»، أو الثورة المجيدة، وسط تفاعلات إقليمية ودولية، لا يزال بعضها مستمرًا ومؤثرًا فى مصر والمنطقة والعالم.
بالمثل، لا يزال الإرث، الذى تركته حركة، ثورة، ودولة ٢٣ يوليو، قائمًا، واستفادت منه دولة ٣٠ يونيو، طوال الثمانى سنوات الماضية، وهى تستعيد دور مصر المحورى، إقليميًا ودوليًا. وكنا قد أشرنا، أمس، إلى أن متحف الشمع بمدينة «ياجودينا» الصربية، يضم تمثالين للرئيسين جمال عبدالناصر وعبدالفتاح السيسى. وتوقفنا، أيضًا، عند إعراب الرئيس الصربى ألكسندر فوتشيتش، فى المؤتمر الصحفى المشترك، عن فخره باستقبال المبنى نفسه، الذى عُقد به المؤتمر، الرئيس عبدالناصر. وانتهينا إلى أن ناصر والسيسى، اللذين جمعهما ماضى العلاقات المصرية الصربية وحاضرها، جمعتهما، أيضًا رؤية واحدة لمصر الكبرى.
كنا حوالى ٢١ مليونًا حين سقط النظام الملكى، نصف مليون منهم ينتمى إلى الطبقة العليا وأربعة ملايين من الطبقة المتوسطة والباقى من الطبقة الدنيا والفقيرة. وعليه، كان حتميًا أن تحدث تحولات جذرية فى بنية المجتمع، تذويب الفوارق الرهيبة بين تلك الطبقات، بسياسات وقرارات، نقلت ملايين الفقراء، إلى الطبقة الوسطى عبر الإصلاح الزراعى والتعليم وفرص العمل. وانخفضت نسبة الأمية من ٨٠٪ سنة ١٩٥٢ إلى ٥٠٪ سنة ١٩٧٠؛ وارتفع عدد طلاب الجامعات بنسبة ٣٠٠٪، وصاحبت التنمية الصناعية والاقتصادية نهضة تعليمية وثقافية، استهدفت تزويد العمل الوطنى بإمكانات بشرية، كانت الظروف تحول بينها وبين العلم.
لا مستقبل لأمة تمحو تاريخها. وانطلاقًا من تلك الحقيقة، احتفل المجلس الأعلى لقواتنا المسلحة بالذكرى الستين للثورة المجيدة، ببيان أكد فيه أن الشعب المصرى كله التف حول قواته المسلحة يؤيدها فى كل خطواتها من أجل نهضة مصر، ووجّه «تحية عطرة من القلب للزعيم الراحل جمال عبدالناصر ورفاقه الضباط الأحرار فى ذكرى ثورتهم الغالية، التى لم تكن ثورة مصر فقط، وإنما كانت ثورة التحرر للعالم العربى والإفريقى والآسيوى. شعلة أضاءت قلوب كثير من الشعوب تخلصوا بفضلها من المستعمر ونالوا استقلالهم وتحررت شعوبهم». وطالبت قواتنا المسلحة، فى البيان، كل مَن سولت له نفسه الهجوم على الثورة وذكراها بأن ينظر حوله ليرى الماء والكهرباء والتعليم وغيرها.
كانت الأقدار قد شاءت أن تحلّ الذكرى الستون للثورة، ومصر فى نفق مظلم، أدخلتها فيه جماعة إرهابية. لكن فى لحظة صدق نادرة ابتلعت تلك الجماعة كل الأكاذيب التى ظلت ترددها، طوال السنوات الستين، ووضعت هذا الاعتراف على لسان مندوبها فى قصر الرئاسة: «إنّ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ كانت لحظةً فارقةً فى تاريخ مصر المعاصر، أسست الجمهورية الأولى التى دعمها الشعب، والتف حول قادتها وحول أهدافها الستة، والتى لخصت رغبة الشعب المصرى فى تأسيس حياة ديمقراطية سليمة، وفى استقلال القرار الوطنى، ودعم عدالة اجتماعية للخروج من الجهل والفقر والمرض، ومن استغلال رأس المال والإقطاع».
صدق ذلك الإخوانى، وهو الكذوب كجماعته، لكنه تعمّد عدم ذكر جمال عبدالناصر، بينما كان آلاف المصريين يتوافدون على ضريح الزعيم الراحل، وقاموا بتحويل المناسبة إلى مظاهرة ضد جماعته الضالة، مرددين هتافات من عينة «يسقط يسقط حكم المرشد»، وشكلّوا سلاسل بشرية، حاملين صورًا للزعيم عليها عبارة «ثورة أحرار.. حانكمل المشوار»، قاموا بتوزيعها مع صور أخرى على المارة وقائدى السيارات.
.. وأخيرًا، قامت ثورة ٢٣ يوليو لتحقيق ستة أهداف: القضاء على الإقطاع وأعوانه، القضاء على الاستعمار، القضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، إقامة حياة ديمقراطية سليمة، إقامة جيش وطنى قوى وتحقيق العدالة الاجتماعية. ولا نعتقد أننا نبالغ لو قلنا إن دولة ٣٠ يونيو، حققت غالبية تلك الأهداف، ومستمرة فى تحقيق نهضة اقتصادية وعملية إصلاح شاملة، مخططة ومدروسة.