منها «الحرام» و«الباب المفتوح».. ثورة 23 يوليو فى الرواية المصرية
تحتفل مصر بالذكرى السبعين لقيام ثورة 23 يوليو 1952، والتي حررت المصريين من الاستعباد والظلم الذي عانوه لقرون طويلة، بل وكان لتولي الزعيم جمال عبد الناصر رئاسة مصر ــ وإعلان الجمهورية ــ أول رئيس مصري منذ عصور الفراعنة القدماء.
لم يكن الأدب والرواية تحديدا بعيدا عن المشهد السياسي والاجتماعي، سواء في رصد وتوثيق أحوال مصر والمصريين قبيل ثورة 23 يوليو 1952، أو النتائج التي ترتبت عليها والمكاسب التي حصدها المصريين ومنها طرد المستعمر البريطاني، قوانين الإصلاح الزراعي، تأميم قناة السويس وغيرها، وهذ مكاسب كانت ثورية للشعب المصري، والذي كان يعرف في العهد الملكي بــ “مجتمع الواحد في المائة”، بل ولا تزال أفلام الأبيض والأسود تحمل مشاهد عن “مشروع القرش لمحاربة الحفاء”.
وفي هذا التقرير نستعرض أهم الروايات المصرية التي تناولت ثورة 23 يوليو 1952، سواء الأسباب التي أدت إليها أو المآلات والمصائر التي ترتبت عليها.
ــ “الرجل الذي فقد ظله” و"زينب والعرش"
في روايتيه “الرجل الذي فقد ظله”، و"زينب والعرش"، يرصد الكاتب الروائي الراحل فتحي غانم كواليس الصحافة والسياسة وتشابكاتهما خلال فترة ما قبل ثورة 23 يوليو 1952. فبطل رواية “الرجل الذي فقد ظله”، يوسف عبدالحميد السويسي، صحفي انتهازي متسلق، يصل في عالم الصحافة على أكتاف أستاذه محمد ناجي، فهو شخصية انتهازية باعت نفسها من أجل تحقيق طموحها الفردي وتخلَّت عن كل القيم والتقاليد الإنسانية بهدف الارتباط بطبقة أعلى ممثلة في سعاد الارستقراطية، على عكس صديقه شوقي الثوري الذي ينتمي للطبقة نفسه، لكنه لا يتبرأ منها ويناضل من أجل بناء عالم جديد تحصل فيه طبقته المتوسطة بل والوطن كله على عدالة اجتماعية.
أما في روايته “زينب والعرش”، ففي الجزء الأول منها سرد ورصد لكواليس الحياة السياسية في مصر ما قبل ثورة 23 يوليو 1952، وفساد الأحزاب السياسية وتهافتها، وصراعاتها فيما بينها من أجل السلطة والوصول إلي الحكم بدعاوي الكفاح الوطني.
ــ الباب المفتوح
في روايتها الصادرة في العام 1960 تقدم الكاتبة لطيفة الزيات، فيما يشبه السيرة الذاتية، سردا وتوثيقا لوضع الفتاة والمرأة المصرية بشكل عام، من خلال بطلة الرواية “ليلي”، أسيرة ما يفرضه والدها ووالدتها عليها، والمنظومة القيمية المجتمعية بأسرها، ونضج وعيها بالحياة وفهمها من منظور أشمل وأوسع من علاقات الحب والزواج، وأن تحررها لن يتحقق إلا بتحرر الوطن كله، وهو ما تصل إليه “ليلي” أخيرا وتحطم قيودها الداخلية قبل الخارجية المفروضة عليها، لتتخذ ولأول مرة قراراتها الخاصة فيما يخصها ويخص حياتها ومستقبلها.
ــ الحرام
يعد الدكتور يوسف إدريس من أكثر الكتاب الروائيين الذين تناولوا وعالجوا الطبقات المهمشة المنسية في المجتمع المصري ووضعها قبل ثورة 23 يوليو 1952. وتأتي في صدارة أعماله رواية “الحرام”، التي تناول فيها طبعة عمال التراحيل، وما يقاسونه من فقر وعوز وجوع يدفع بهم إلى الموت، سواء الموت جواعا أو الموت بفقدان أدني مقومات الكرامة الإنسانية. فـ “عزيزة” بطلة الرواية تدفعها ظروفها التي أقعدت زوجها عن العمل بالمرض، إلي أن تحل محله في مسئولية عائلتها، فترتحل وراء لقمة العيش، إلا أنها تضطر إلي قتل وليدها ــ ثمرة الاغتصاب الذي تعرضت له ــ خوفا من الفضيحة. على أن عزيزة لم تتعمد قتل فلذة كبدها، إنما من قتله هو الفقر والجوع الذي عاني منه أكثر من نصف المجتمع المصري خاصة في ريفه وقراها البعيدة.
ــ غروب وشروق
بقلم أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، الكاتب جمال حماد، تطالعنا روايته “غروب وشروق”، والتي قدمت في فيلم سينمائي يحمل نفس الاسم، من بطولة سعاد حسني ورشدي أباظة، محمود المليجي وصلاح ذو الفقار.
تناول الكاتب جمال حماد في روايته “غروب وشروق”، الفساد السياسي قبيل ثورة 23 يوليو 1952، تحديدا من لحظة حريق القاهرة، حيث يطمئن رئيس البوليس السياسي علي حصاد رجاله في القبض علي من يطالبون بالحرية ورحيل المستعمر والقصر بحاشيته الفاسدة. علي الجانب الآخر نري جانبا من المصريين لا يهتمون بأمر بلدهم أو ما يحدث فيها، وتأتي الصحوة مع قتل أحد أصدقائهم لتكون نقطة التحول واليقظة والعمل من أجل إزاحة النظام الملكي الفاسد والمحتل البريطاني الذي يحمي عرشه. لتكون نهاية الرواية هي بداية لعصر حرية وكرامة لمصر والمصريين.
ــ رد قلبي
وعضو آخر من أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، الكاتب الروائي يوسف السباعي، يصدر روايته الأشهر “رد قلبي”، والتي تتناول أحوال الفلاحين المصريين، وكيف أن طبقة السادة من الإقطاعيين والأرستقراطيين، ممن عاشوا لمئات السنين علي دماء الشعب المصري ونهب خيراته بل واستعباده، لا يرون في هذا الشعب إلا خدما وعبيدا لديهم. فـ “عبد الواحد” أحد فلاحين مصر، يفقد كرامته بعدما يجلده الباشا صاحب العزبة، لا لشىء إلا أن ابنه فكر وتجرأ وطلب يد ابنته “إنجي”.
كما تنناول الرواية فساد الحياة السياسية وفي القلب منها الأحزاب والقصر والساسة في عمومهم، لتبرز قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت وراء هزيمة 1948، إلا أن تحرك الضباط الأحرار وقيام الثورة كان إيذانا للقضاء علي كل هذا الفساد والأوضاع المقلوبة.
ــ الأرض
في روايته “الأرض”، قدم الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي، صورة كاملة لحياة الريف المصري وفلاحينه، والظلم الذي عاشوا تحت نيره لمئات السنين، وكان بطل الرواية “محمد أبو سويلم”، المصري الأصيل الذي تمسك بأرضه وجذوره صورة لكل فلاحي مصر، بل ولكل المصريين، وما لاقوه من استعباد وقهر. فلكي يصل “الباشا” إلي قصره لا بد من خط سكة حديد، وهذه لا تمر إلا في أرض أبو سويلم وغيره من الفلاحين، تنتزع منهم الأرض معادل الحياة والوجود كله لا لشيء إلا تحقيق لرغبات الباشا مالك الأرض ومن عليها، إلا أن أبو سويلم يقدم روحه ودمائه فداءا لهذه الأرض التي هي بمثابة الحياة والكرامة له.