لعنة شيرين عبدالوهاب
لن أنزلق إلى تفاصيل المهاترات التى يتناقلها الوسط الفنى عن شيرين عبدالوهاب وطليقها، التى ستخرج- أو خرج بعضها بالفعل- إلى العلن.. وحتمًا سيزيد الأمر سوءًا وفضحًا بعد قرار الطرفين اللجوء إلى المحاكم.. وكم أتمنى لو أن ذلك لا يحدث.. ويتوقف عند هذا الحد.
لا أتمنى ذلك تعاطفًا مع شيرين- وقد عرفتها منذ زمن بعيد- ولا مع حسام حبيب، الذى لا أعرفه ولا أعتقد أن أحدًا يعرفه أيضًا.. الأمر يخص قوى مصر الناعمة وصورتها.. وشيرين رضينا أو لم نرض «صوت مصرى مهم» له حضور وتأثير فى أجيال عربية شابة من المحيط إلى الخليج.
ربما لا تعرف شيرين عبدالوهاب نفسها.. ولا تعرف قيمتها أيضًا.. ولا ما تمثله للغناء المصرى ولشباب وشابات مصر.. وهذا هو سر مأساتها.. «قلة المعرفة» وعدم القدرة على اختيار «الوقت» متى تصمت ومتى تتكلم ولمن وكيف؟.. هذه الأسئلة الصعبة استطاعت أم كلثوم أن تجيب عنها، وأن تتحول من مجرد فتاة قروية لا تعرف القراءة ولا الكتابة إلى أسطورة.. فيما لم تستطع شيرين أن تجاوز أزماتها الخاصة.. وظلت فى حالة مراوحة بين الغياب والحضور.
أزمة شيرين.. هى أزمة غياب «المؤسسة» التى تدير عقلها.. فمنذ بداية خطواتها من شارع القلعة ودرب الناصرية إلى حديقة السيدة زينب وهى تعيش أيامها بنفس العفوية وعقل الأطفال.
منذ فترة قريبة قلت وصفًا لشيرين وهى تغنى «ست الحبايب»، وهى فى التاسعة من عمرها إنها كانت تغنى لحن عبدالوهاب الشهير بـ«قلب طفلة»، وهكذا هى فى السنوات التى اقتربت منها فيها، وأظنها لا تزال تعيش وتمرح وتحزن وتحب بنفس الطريقة.
الذين يتصورون أن أزمة شيرين الأخيرة سببها الفلوس.. وعربية مرسيدس.. لا يعرفون هذه السيدة.. ولا يفهمونها من الأصل.. شيرين آخر حد يعرف الفلوس.. ويعرف قيمتها أو يضع لها حسابًا.
لقد قالت لى يومًا.. إنها كانت طفلة تمرح مثل أصحابها فى الشارع.. ومر والدها بظروف صعبة دفعته إلى الرحيل للبحث عن فرصة عمل أفضل.. وترك الأم تعانى مثل كل أمهات مصر الطيبات.. لم يكن هناك أى مال بالمنزل.. وفيما هى تلعب وجدت «فردة حلق دهب» ملقاة على الأرض فرحت فرح طفلة، وطارت إلى أمها.. وأعطتها فردة الحلق.
تذكر شيرين هذه الواقعة جيدًا.. وتربطها دومًا بأن الله يحبها.. ويعطيها.. وقد أعطاها الله كثيرًا.. وبدلًا من «فردة الحلق» صارت عطاياه أكبر وأشمل.. أعطاها نعمة الصوت المدهش الجبار.. والإحساس الهادر.. أعطاها محبة الناس بلا حدود..
عندما تسلمت شيرين أول مبلغ عليه القيمة من عمل لها.. كان عشرة آلاف جنيه.. طارت من السعادة، ليس لأنها حصلت على هذا المبلغ.. ولكن «لأن ربنا كبير وحاميها».. إنما المبلغ ذاته فقد قررت وقتها أن تذهب به إلى البيت.. أن «تحضر مدرسين فى كل المواد لأختها الصغيرة إيمان» عشان تتعلم.. عشان تكمل تعليمها وما تبقاش زيى «هكذا قالت بعفوية شديدة».
حتى فكرة أنها لم تكمل تعليمها فى معهد الموسيقى العربية لم تتوقف عندها شيرين.. هى لا تتوقف من الأصل.. ولا تجيد حسابات المكسب والخسارة.. ولا تعرف طريقة للتعامل مع الزمن.. وربما كان ذلك هو السبب الذى أوقعها أكثر من مرة فى أخطاء التصريحات التى تورطها فى كل مرة.
شيرين.. تخطفتها الدنيا.. من حفل إلى آخر ومن ألبوم إلى آخر.. ومن منزل إلى آخر.. ظنى أنها لم تستقر أبدًا.. هذا الإحساس بعدم دوام الأمان يحاول البعض التغلب عليه.. باكتناز الفلوس أحيانًا.. أو شراء العقارات أحيانًا.. أو بإنجاب أكبر عدد من الأطفال مثلًا.. لكن شيرين لا تفعل ذلك.. هى فقط تغنى.. شيرين لا تتوقف عن الغناء على الإطلاق.
فى إحدى المرات كنا فى رحلة بدعوة من صديق يملك فندقًا فى الواحات البحرية.. وكنت دعوت عددًا كبيرًا من الأصدقاء جميعهم نجوم فى الساحة الآن.. ومن بينهم شيرين.. ولم تكن قد ظهرت على الساحة بعد.. كانت تبحث عن طريقها.. وفى السهرة حيث جلس الجميع، فيهم إعلاميون وشعراء ومطربات ومطربون يتبادلون الغناء والشعر فى قعدة سمر.. وكان أن غنت شيرين بلا توقف.. مما أزعج أحدهم فسألنى لماذا تفعل ذلك.. هذه الطفلة المشاكسة؟.. فكان أن قلت.. «جعانة غنا».. نعم هى فى حالة عطش وجوع دائم للغناء.. لذلك أعتقد أن أقسى أزمات شيرين كانت يوم أن منعها نصر محروس من الغناء لفترة، وقتها حاولت الانتحار فعلًا.
شيرين لا تعيش أزمة عاطفية.. ولا أزمة التعرض لحياتها وأموالها.. هى فيما أظن تعيش حالة من الشتات.. خلقها من يديرون تفاصيل ساعاتها.. من اختطفها من عالمها الحقيقى إلى تفاصيل مزعجة لا تجيد إدارتها.. أتمنى ألا يستغرقها هذا الأمر كثيرًا.. وأن تذهب فورًا إلى الاستديو.. لتغنى.. فقط لتغنى.
كثيرون أعرفهم يحبون شيرين ويخافون عليها.. ليس لأنهم من المقربين ولكن لأنها.. «بنت مصر»؛ لأنها صوت مصرى حقيقى لا نريد أن نخسره..
لقد خدمت الظروف أم كلثوم بأن قيدت لها طيلة الوقت «مؤسسة» لتدير تفاصيل يومها، لكنها وقعت أيضًا فى أزمات. وكثيرًا ما ذهبت إلى المحاكم مع محمد الموجى أو زكريا أحمد.. لكنها استطاعت أن ترمى كل هذه الصغائر وراء ظهرها وألا يتذكر أحدنا شيئًا عن هذه التفاصيل وتلك الخناقات.. لم يعد هناك من يذكر شيئًا عن زيجاتها أو حياتها الخاصة.. بقيت الصورة التى رسمها لها من كانوا يديرون تلك المؤسسة صورة «الكوكب».. «كوكب الشرق».
فهل هناك من يستطيع من هؤلاء «المقربين»- الذين أعرف بعضهم- من يمد يده «ويلجم» هذا التهور وتلك العاصفة التى تقود عقل شيرين إلى مجهول لا نريده.
من جهة أخرى لن أطلب من الإعلام أن يتوقف كما يحلو للبعض أن يفعل فهذه مهمته.. ولن أمنع المحامين من تولى قضاياها أو قضايا طليقها.. لكن أطلب من شيرين نفسها أن تفعل.. عليها أن تغلق الاستديو على حنجرتها.. والبيت على بناتها وأن تستعيد نفسها وصوتها ونغماتها، فهذا وحده الذى يبقيها كما تريد وكما نريد لها.