نبذة تاريخية عن المجلس الملي للأقباط إصدار عام 1910
نشر المؤرخ الكنسي المهندس مينا فرج، المُتخصص في التاريخ الكنسي المُعاصر، نبذة معلوماتية عن المجلس الملي للأقباط، صدرت عام 1910.
وعلق المؤرخ الكنسي على النبذة قائلًا: «صدر هذا الكتاب عام ١٩١٠، ويشتمل علي قرارات المجلس الملي العام المرفوعة الي الحضره الخديوية، ورئاسة النظار ومجلس النواب، وأيضًا قرارات الخديو عباس حلمي ضد المتنيح مثلث الرحمات قداسة البابا كيرلس الخامس».
وأضاف: «الكتاب يقع في ٨٥ صفحة، تشتمل علي تلك هذه القرارات منذ عام ١٨٧٤ وحتي عام ١٩٠٩، وقمت باختيار عده صفحات مسلسلة تشتمل علي قرار اجتماع المجلس الملي العام في ٢٢ يوليو ١٨٩٢، برفع يد قداسة البابا كيرلس الخامس عن إدارة الطائفة القبطية».
وتابع: «هذا القرار قام بتقديمه أعضاء المجلس؛ لاخذ موافقة الخديو، ومجلس النواب، وأيضا رئاسة النظار، وما ترتب عليه من إصدار قرار الخديو بنفي قداسته لدير البراموس، والمعروفة في هذه الفتره بالأوساط الصحفية بأزمة البطريرك والمجلس».
وأكمل: «يوجد في الورق المعروض أيضًا أسماء أعضاء المجلس الملي، الذين قرروا هذا القرار، ومُرفق أيضًا اسم الكتاب المنقول منه المادة المعروضة».
وبخصوص مُشكلة البابا كيرلس الخامس، مع المجلس الملي، قال يوسف بك منقريوس، في كتاب «القول اليقين في مسألة الأقباط الأرثوذكسيين»: «لما ارتقى غبطة البطريرك كرسي البطريركية، وضع مع أعضاء المجلس حسب روايتهم لائحة تقضي بوجوب نظر المجلس في مصالح الكنائس وأحوالها وفي المدارس والأوقاف والفقراء والأحوال الشخصية، ورسامة القسس وغير ذلك، والتمس البابا البطريرك من الحكومة التصديق على اللائحة فصدقت عليها بتاريخ 14 مايو سنه 1883، إلا أن هذه اللائحة كانت حبرا على ورق، لأن أعضاء المجلس لم يهتموا بشيء ولم يوجهوا نظرهم للاهتمام بما يستدعى جهادهم، ولبث مجلسهم ينحل شيئا فشيئًا حتى فارق الحياة».
وأضاف: «وبعد مدة تحرك بعض أبناء الأمة، فطلبوا من غبطة البطريرك تشكيل المجلس فأبى أن يجيبهم بدون تعديل اللائحة وحذف ما فيها مما يخل بالسلطة، فلم يقبلوا بل رفعوا أمرهم إلى الخديوي، وكان وقتئذ توفيق باشا، وعزموا على عقد اجتماع لإعادة الانتخاب، فكتب البابا كيرلس يحيط مجلس النظار علما بالمسألة، وطلب منع ذلك الاجتماع فمُنِع، ثم استدعى البابا كيرلس المطارنة والأساقفة وكبار القسوس من كل الجهات وعقد بهم مجمعا إكليريكيًا، أصدروا فيه قرارًا يقضي بضرورة عدم تدخل أحد من الشعب في تدبير أمور الكنيسة ومتعلقاتها».
وتابع: «وحمل البابا كيرلس ونيافة الأنبا يؤانس مطران الإسكندرية هذا القرار إلى توفيق باشا ورفعاه إليه فوعد بالمساعدة، وقضى البابا بالإسكندرية مدة شهرين ما فتئ فيها أعضاء المجلس يسعون ليحققوا أغراضهم، غير أنهم لما قابلوا توفيق باشا أدركوا استحالة عدم فعل شيء بدون رضاء البابا كيرلس، فأكرهوا على ملاطفته ومحاسنته، ولما رجع من الإسكندرية استقبل استقبالًا فخمًا، وكان المرحوم بطرس غالى باشا بأوربا في أثناء هذه الحوادث، وحضر بعد ذلك فألقى إليه توفيق باشا متعالية المسألة وكلفة بحسم هذه المشاكل، فوبخ أبناء الطائفة، وأرغمهم على كل الصفح من غبطة البابا، وانتهت المسالة على ما يرام، واهتم البابا بعد ذلك من تلقاء نفسه بتعليم الرهبان ونشر المعارف وتشييد المدارس في البلاد، حتى أصيب بمرض فانطلق إلى دير العريان ترويحًا للنفس مدة».
وأكمل: «وعقب ذلك تأسست جمعية التوفيق، وحررت نشرة تطلب فيها ضرورة الإنفاق من ريع الأوقاف على ترقية المدارس، وتسهيل وسائط التربية العالمية لأبناء الأمة، فتعرض لهذه النشرة بعضهم يفندها ويكشف أغلاطها، وأعقبت النشرة بنشرة أخرى طلب فيها تعيين مرتب للإكليروس القبطي أسوة بإكليروس باقي الطوائف، فأظهر الجميع موافقتهم على هذا الرأي لتأكدهم بأنه سر نجاح وتقدم إكليروسنا. ثم كتب نشرة أخرى بضرورة إعادة تشكيل المجلس الملي، ثارت عليها الجمعية الأرثوذكسية، واحتدم الجدال بين الفريقين مدة ما».
وواصل: «وفي خلال تلك المناظرات استدعى بطرس باشا غالى نيافة الأنبا يؤانس مطران إسكندرية إلى القاهرة وكلفه أن يبلغ غبطة البطريرك بأن الأمة ترغب في إنشاء مجلس ملى، فرد البابا برضاء عن تشكيل مجلس إذا عدلت اللائحة القديمة، فأبى بطرس باشا تغير اللائحة وأصر البابا على طلبه، ولما كانت جمعية التوفيق قد تحدت غبطة البابا بكلام لم تضع في الاعتبار فيه مركزه الديني، كتب للديوان الخديوي بطلب منعها فلم يرد عليه، وكان بطرس باشا عازما على السفر إلى أوربا وتقابل مع الخديوي ليأخذ منه إذنا بالسفر فذكر أمامه النزاع الطائفي الحاصل، فأجابه بطرس باشا بأنه لا يمكن أن يهدأ ما لم يشكل المجلس فصدر الأمر لبطرس باشا بتأخير سفره ليسعى في تشكيل المجلس، وأبلغ البابا كيرلس هذا القرار نفسه، وفي مساء ذلك اليوم استدعى نحو خمسمائة نفس من رجال الطائفة بدعوة موقع عليها من بطرس غالي باشا بصفته نائب مجلس الأمة لإجراء انتخاب المجلس».
وأردف: «وفي الغد قصد بطرس غالي الدار البطريركية تتبعه عساكر البوليس ومنع الدخول إلى البطريركية وصرف التلاميذ وطرد الخدم وضبطت أبواب الدار البطريركية، فأرسل البطريرك يستنجد بالمعية السنية فلم ترد عليه، والناس حيارى لا يعرفون ماذا يتم، وبعد الظهر جاءت جنود أخرى، وأقبل محافظ القاهرة وطلب من غبطة البطريرك أن يقبل الرئاسة على الانتخاب فأبى، فقام المحافظ إلى المجلس المعد للانتخاب بالمدرسة الكبرى وافتتح الحفلة باسم الحفرة الفخيمة وبدأ بالانتخاب، وحدث بعد ظهور نتائج الانتخاب أن أخطر البطريرك الخديوي بأن ما حدث كان بغير إرادته ولا يوافق عليه بأي حال كان، وانتهز البابا فرصة عيد الأضحى فذهب مع بعض المطارنة لتهنئة سموّه بالعيد وأحاطه علما بما جرى، إلا أن الخديوي رفض مقابلتهم وأعلمهم فيما بعد عن طريق ديوانه، أن وقته لا يسمح بمناقشة البطريرك، وإن كان له على أحد شيء فليدفع شكواه إلى جهات الاختصاص».
واستطرد: «اجتمع مجلس أعلى بعد أن اعترفت الحكومة بقانونية انتخابه وحاول اكتساب رضاء البطريرك أو التفاهم معه فلم يوفق، فاصدر قرار برفع يد البابا عن المجلس وكافة الشئون الطائفية وعرض هذا القرار على مجلس النظار فوافق عليه في يونية 1892 وعبثًا حاول البطريرك أن يقنع الحكومة بأنه المسئول الأول عن إدارة الكنيسة، ورأى المجلس بعد إعفاء البطريرك من مهامه أن يقنع أحد الأساقفة بقبول رئاسة المجلس وإدارة البطريركية، وفاوض في ذلك الأنبا مكاريوس أسقف الخرطوم والنوبة، والأنبا ابرام أسقف الفيوم والجيزة، ولكنهما امتنعا، فاتجهوا إلى الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو وقسقام، فسافر إليه مقار باشا عبد الشهيد وعرض عليه هذه المسئولية، فاظهر الأسقف تجاوبا مع المجلس، وبعد التفاهم على نقاط معينة عاد مقار باشا إلى القاهرة، وأذاع المجلس بيانا في 26 أغسطس 1892 أعلن فيه نبأ قبول أسقف صنبو لمطالب المجلس بالنيابة عن البطريرك».
وأضاف: «فلما علم البطريرك بالخطوات التي اتخذها أسقف صنبو وانه الآن في طريقة إلى القاهرة أبرق إلى الأنبا يوساب أسقف بني سويف وكلفة أن يقابله عند وقوف القطار في بنى سويف ويبلغه حرم البطريرك له وكذلك حرم المجمع المقدس، فنفذ الأسقف أمر البطريرك ولكن الأنبا أثناسيوس لم يعبأ بالحرم وواصل سفره إلى القاهرة وعندما وصل إلى العاصمة توجه مع مرافقيه إلى البطريركية، ولكن المُوالين للبطريرك من الكهنة والخدم أوصدوا الأبواب في وجوههم ولم يمكنوهم من الدخول، فتوجه الأسقف إلى منزل عوض بك سعد الله ونزل به ضيفا إلى أن تمكن أتباعه من اقتحام البطريركية، ولكن البابا وقتئذ كان في الإسكندرية فقد عقد مجمعا من الأساقفة وكبار الكهنة وكرر قطع الأنبا أثناسيوس وحرمه».
وتابع: «ولما رأى أعضاء المجلس الملي أن وجود البطريرك بالإسكندرية بجانب الأنبا يؤانس مطران البحيرة ووكيل الكرازة المرقسية يعطل إجراءاتهم اجتمعوا في 31 أغسطس 1892 وشغلوا مجلسا زوجيا من القمص بشاى راعى كنيسة العذراء بحارة زويلة والقمص جرجس بشاي كنيسة الدمشيرية والقمص بولس جرجس وكيل قضايا البطريركية، واتفق المجلسان الملي والروحي على إبعاد البطريرك إلى دير البراموس والأنبا يؤانس إلى دير الأنبا بولا، ورفعوا القرار إلى مجلس النظار فأقره سريعًا، وفي صباح الخميس أول سبتمبر 1892 توجه محافظ الإسكندرية إلى البطريرك وأعلمه بهذا الأمر فقبله البابا عن طيب خاطر ووعد بالسفر في اليوم التالي، وهكذا كان الأمر مع الأنبا يؤانس».
وأكمل: «وفي صباح يوم الجمعة 2 سبتمبر 1892، غادر البابا المقر البطريركي بالإسكندرية وتوجه إلى قرية المطرانة من أعمال مركز كوم حماده، كما سافر في نفس الوقت الأنبا يؤانس إلى مدينة بوش ومنها إلى دير الأنبا بولا، وبعد نفي البابا إلى دير البرموس قام أعضاء المجلس الملي بمساعدة رجال الشرطة باقتحام الدار البطريركية، ومكنوا الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو من دخولها عنوة، وفي يوم الأحد 4 سبتمبر 1892 تجاسر الأسقف ورفع السرائر المقدسة في الكاتدرائية رغم حرمه من البابا، وقد وقعت أثناء القداس أمور غير عادية تشاءم منها الكثيرون بأن انقلبت الصينية فتأثر الشعب، ولما وجد الغيورون من الشعب أن حالة الكنيسة بعد غياب البطريرك يسير من سيء إلى أسوأ قدموا عرائض استرحام إلى المقام الخديوي، واشترك معهم أساقفة الأقاليم، وبعد مقابلات مع الخديوي ومصطفي باشا فهمي ناظر النظار، أصدر الخديوي أمرًا خديويا في 20 يناير 1893 بعودة البابا والأنبا يؤانس».
واختتم: «وفي يوم السبت 4 فبراير استقبلت الجماهير البطريرك في محطة العاصمة بكل الفرح والبهجة وبعد عشرة أيام من وصوله جاء بطرس باشا لزيارته ومعه الأنبا أثناسيوس والأساقفة والكهنة الذين ساعدوه واعتذروا للبابا على ما صدر منهم فصفح عنهم ومنحهم الحل والبركة ونصحهم ألا يعودوا لمثل ذلك مرة أخرى، ولما رأت الحكومة أن السلام لا يتم في الكنيسة القبطية إلا بترضية البابا والاعتراف بطاقة حقوقه كمسئول أعلى، عادت وأصدرت أمرًا بإرجاع الإدارة الدينية والمالية إلى غبطته، على أن يتصرف بالطرق الودية حتى تتوحد الصفوف، إكليروسًا وشعبًا. وعندما ترضت النفوس نسبيا، اتفق البابا مع بطرس باشا على تشكيل المجلس الملي للمرة الرابعة فانتخب الشعب مجلسه من أعضاء ونواب، وصدر مرسوم من الدولة باعتمادهم رسميا في أول مارس 1906، ولكن الهيئة الجديدة أخذت تضرب على النغمة القديمة، فلم ينسجم البابا معها وتنحى عن رئاسة المجلس الملي وفوض لإدارة جلساته القمص بطرس عبد الملك رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى».