اعترافات مخطط انقلابات!
كتاب بهذا العنوان قد يصدره جون بولتون، مستشار الرئيس الأمريكى السابق للأمن القومى، بعد كتابه الفضائحى "الغرفة التى شهدت الأحداث.. مذكرات البيت الأبيض"، الذى أصدره منتصف ٢٠٢٠. وغالبًا، كان التمهيد لصدور هذا الكتاب هو سبب اعترافه، على الهواء، لجيك تابر، مذيع شبكة "سى إن إن"، بأنه شارك فى التخطيط لانقلابات "ليس هنا، بل أماكن أخرى"، وتأكيده على أن ذلك يتطلب الكثير من العمل!
الاعتراف، الذى هو سيد الأدلة، لم يضف جديدًا، لأن تاريخ الولايات المتحدة فى التخطيط ودعم الانقلابات، فى شرق العالم وغربه، لا ينقصه اعتراف أو إقرار، خاصة فى دول أمريكا اللاتينية، فنائها الخلفى، التى خططت ودعمت انقلاباتها وأرسلت إليها قواتها أحيانًا، واغتالت عددًا من رؤسائها وسياسييها. كما أن "بولتون"، الذى يوصف بأنه من صقور الحرب، والمعروف بدعمه غير المشروط لإسرائيل، وبأنه أحد مهندسى غزو العراق، كان مفضوحًا، لدرجة أن كوريا الشمالية وصفته بأنه "مهووس بالحرب" و"حثالة بشرية"، ورأت الرئاسة الإيرانية فى قرار طرده من البيت الأبيض دليلًا على نهاية عهد التحريض على الحروب.
تولّى بولتون عدة مناصب فى عهد أربعة رؤساء جمهوريين: "رونالد ريجان، جورج بوش الأب، جورج بوش الابن، ودونالد ترامب"، من بينها مساعد مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتنسيق البرامج والسياسات، مساعد وزير الخارجية لشئون المنظمات الدولية، مساعد وزير الخارجية لإدارة الأسلحة وشئون الأمن الدولى، سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وكان مستشار الرئيس الأمريكى للأمن القومى بين ٩ أبريل ٢٠١٨ و١٠ سبتمبر ٢٠١٩، وتمت إقالته بطريقة مهينة. وبعد يوم من الإقالة، هاجمه الرئيس السابق دونالد ترامب بعنف، واتهمه بارتكاب عدد من "الأخطاء الكبيرة" وإزعاج الكثيرين فى إدارته، من بينها أنه اقترح اتباع ما وصفه بـ"النموذج الليبى" للتعامل مع كوريا الشمالية. كما كانت الإدارة الأمريكية قد ألقت اللوم، بشكل رسمى، على "بولتون"، عندما أخفقت الجهود المبذولة لإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية.
إضافة إلى المناصب الرسمية، كان "بولتون" فى ٢٠١٢ مستشار السياسة الخارجية للمرشح الرئاسى ميت رومنى، الذى خسر فى مواجهة باراك أوباما. كما عمل فى عدد من المراكز البحثية، مثل معهد ديناميكيات الشرق والغرب، اللجنة الأمريكية لحرية الأديان الدولية، مشروع القرن الأمريكى الجديد، المعهد اليهودى للأمن الوطنى، مجلس السياسة الوطنية، المعهد الأمريكى لأبحاث السياسة العامة، وكان مديرًا لمعهد جيتستون، وهو مركز أبحاث أمريكى معنى بالسياسة الدولية. و... و... وكلها لعبت أدوارًا مخابراتية، وكثيرًا ما اتضح أن هناك شبكات تجسس تعمل تحت ستار مثل تلك المراكز.
حين سأله مذيع "سى إن إن" عن الانقلابات التى شارك فى التخطيط لها، قال "بولتون" إنه لن يخوض فى التفاصيل، لكنّه تطرّق، لاحقًا، إلى محاولة الانقلاب الفاشلة، التى قام بها خوان جوايدو، الرئيس السابق للجمعية الوطنية الفنزويلية "البرلمان"، حين أعلن فى ٢٣ يناير ٢٠١٩، عن عزل الرئيس نيكولاس مادورو، وتنصيب نفسه رئيسًا. ولعلك تتذكر أننا كتبنا، وقتها، تحت عنوان "محاولة اغتصاب.. اغتصاب سلطة" أن القاصى والدانى، والواقف بينهما يعرفون أن جوايدو ليس أكثر من أداة، لإدخال فنزويلا فى نفق مظلم، ينتهى بتدمير البلاد، بعد خرابها، أو بوضعها تحت سيطرة الولايات المتحدة، ورجحنا فشل ذلك الانقلاب، وأوضحنا أن إسقاط مادورو بات شبه مستحيل، إلا بتدخل عسكرى، لن تجرؤ الولايات المتحدة على القيام به، فى وجود الدعم الروسى لمادورو وجيشه.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق باراك أوباما، أقرّ أيضًا، فى مذكراته التى اختار لها عنوان "أرض موعودة"، A Promised Land، بأن بلاده أسست قواعد علاقات خاطئة مع الدول النامية، طيلة مرحلة الحرب الباردة، منذ أن أعطى الرئيس دوايت أيزنهاور الضوء الأخضر للانقلاب، الذى خططت له المخابرات الأمريكية والبريطانية، فى خمسينيات القرن الماضى، وأطاح برئيس الوزراء الإيرانى محمد مصدق. قبل أن يتناول، بمنتهى السطحية، قصة الثورة الإيرانية، وصولًا إلى جهوده التى أسفرت عن تعبئة الأسرة الدولية لفرض عقوبات قاسية ضد طهران، دفعتها إلى الجلوس حول طاولة المفاوضات وتوقيع الاتفاق النووى!