إعمال وإعلاء العقل ورفض التقليد.. أبرز القضايا التى عالجها الإمام محمد عبده
يعد الشيخ الإمام محمد عبده والذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من العام 1905 من قلائل أحدثوا ثورة في مجال الإصلاح الديني، وتكشف الرسائل المتبادلة بينه وبين الروائي العالمي “تولستوي”، عن الجانب المنفتح على العالم والآخر في شخصيته.
الإمام محمد عبده والذي كان أول من شغل منصب مفتي الديار المصرية في العام 1899، أحدث ثورة إصلاحية كبرى، سواء في فتاويه أو أفكاره التنويرية، حتى أن واقعة إرساله مندوب عنه إلى حفل إطلاق أول ترجمة عربية لــ “الألياذة” والتي ترجمها سليم البستاني، تكشف جانب آخر من شخصيته الفكرية المنفتحة علي الثقافات الأخري، ولم يقف كغيره أمام العلوم الدينية فقط.
ويشير الباحث العراقي "حسام كصاي"، إلى أن الإمام محمد عبده: "انصب فكره علي قضيتين بارزتين: الأولى تحرير الفكر من قيد التقليد والاتباع وفهم الدين علي طريقة سلف الأمة، والقضية الثانية إصلاح أساليب اللغة العربية.
بينما يذهب الدكتور جابر عصفور إلى أن الإمام محمد عبده “كان يؤمن بالإمكانات المطلقة للعقل الذي هو أسمى ما خلقه الله فينا، وأعظم ما ينير لنا طريقنا في الحضارة والتقدم والفكر المادي، وذلك بما يجعلنا نعبر من عصر العقل والاستنارة إلي عصر الصناعة، ومنها إلي عصور ما بعد الصناعة المتتالية التي لا تترك شيئا في الكون إلا وأنارته بالاكتشاف والدرس”.
ــ الإمام محمد عبده بين العقل والنقل
في تقديمه لكتاب “الإمام محمد عبده والقضايا الإسلامية”، يذهب الدكتور رجاء أحمد علي، إلى أنه “إذا كانت حركة الإمام محمد عبده هي بمثابة تنوير ديني، فزول ما دعي إليه إعمال العقل والرؤية والتأمل في كل ما يحيطنا من الداخل ــ التراث ــ ومن الخارج ــ المعاصرة ــ، علي هذا كانت أهمية العقل عند الإمام محمد عبده والذي كان يعتقد فيما قاله ”ديكارت" أنه أعدل الأشياء قسمة بين الناس، ولكي يقيم صرح هذا العقل كان عليه أن يتخلص من تلك الأوهام أو الأوثان التي تقف حجر عثرة في سبيل إقامة هذا الصرح، فكانت هذه الأوهام مستوطنة ومستشرية في المجتمع الإسلامي، فكان لابد من علاجها بواسطة العقل.
ويضيف: لقد أعلى الإمام محمد عبده من شأن العقل، واستمد هذه المكانة من القرآن، فالعقل مناط التكريم الذي كرم الله به الإنسان وفضله على كثير من خلقه. بل أكثر من ذلك نجد الإمام وقد وضع العقل في مكانة رفيعة حيث بين أنه إذا تعارض العقل والنقل نأخذ بما دل عليه العقل، أو نأول النقل مع المحافظة علي قوانين اللغة حتي يتفق معناه مع ما أثبته العقل، فلقد تآخي العقل والدين لأول مرة في كتاب مقدس علي لسان نبي مرسل بتصريح لا يقبل التأويل، لقد جعل الإمام محمد عبده العقل شرطا أساسيا في صحة الإيمان، من هنا نستطيع القول بأن “اعقل كي تؤمن” من أهم القضايا التي أمن بها الإمام محمد عبده، فالمرء لا يكون مؤمنا إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتي اقتنع به.
هذا وإن دل على شيء إنما يدل علي علي رفض الإمام محمد عبده للتقليد، فرفض التقليد هو أول إعمال للعقل وهنا يظهر أول مرض من الأمراض التي عالجها الإمام محمد عبده .