الحج زمان
يهل علينا هذا الأسبوع عيد الأضحى الكريم، ويطيب لى أن أشارك القراء الأعزاء هذه المناسبة الفضيلة، ولكن على مائدة التاريخ، من هنا اخترت أن يكون موضوع مقالى الأسبوعى عن الحج زمان، لكى أثير خيال القارئ، ويعقد مقارنات بين الماضى والحاضر.
ربما لا يعرف البعض أن وسيلة المواصلات المفضلة والسائدة للقيام برحلة الحج حتى بدايات القرن العشرين كانت هى "الجِمال"؛ إذ كان يجتمع الحجاج فى المنطقة التى عرفت ببركة الحاج بالقرب من القاهرة، وحين يكتمل الحشد تخرج قافلة الحج فى موكب رسمى، على رأسه أحد كبار رجال الدولة ويُلَقَّب بأمير قافلة الحج. وتقطع القافلة الطريق البرى إلى الصالحية، ثم تعبر سيناء من الجنوب، لتصل إلى شمال الجزيرة العربية، لتأخذ طريقها إلى الجنوب إلى الحرمين الشريفين.
وكان يُصاحب قافلة الحج المصرى بعض الفصائل العسكرية لحماية القافلة من هجمات بعض البدو الذين اعتادوا مهاجمة الحجاج والاستيلاء على أموالهم وأمتعتهم. لذلك حرصت الإدارة المصرية على إرسال الغلال والأموال إلى هذه القبائل لتضمن عدم اعتدائها على قافلة الحج، بل أيضًا قيام هذه القبائل بحراسة القافلة عند المرور فى أراضيها.
ونتيجة الأمن والأمان الذى تمتعت به قافلة الحج المصرى، كانت قافلة الحج المغربى- التى تأتى برًا من بلاد المغرب- تصل إلى مصر وتلتحق بقافلة الحج المصرى حتى الحرمين الشريفين، ولدينا العديد من الرحلات المغربية المكتوبة التى تصف عبور الحجاج المغاربة لمصر والتحاقهم بقافلة الحج المصرى.
وربما يدهش القارئ الكريم إذا عرف قلة استخدام الحجاج الطريق البحرى فى الحج، وتفضيلهم الطريق البرى. ويرجع ذلك إلى صعوبة ووعورة الملاحة فى البحر الأحمر آنذاك جراء الرياح الموسمية وتأثيرها على حركة الملاحة، لأن السفن كانت سفنًا شراعية حتى النصف الثانى من القرن التاسع عشر، عندما تم اختراع الموتور، وعرف البحر الأحمر السفن البخارية فى طريق الحج. كما تسببت الشعاب المرجانية فى حدوث الكثير من حوادث غرق السفن فى البحر الأحمر، حتى كثرت الأساطير والخرافات حول وجود "جن" فى هذه الشعاب المرجانية يقومون بإغراق السفن. وكان خط الملاحة لطريق الحج البحرى يبدأ من ميناءى السويس والقُصير على الشاطئ المصرى للبحر الأحمر ليصل إلى ميناءى ينبع وجدة على شاطئ الحجاز.
وبمناسبة وباء كورونا والقيود التى فُرضت على الحج فى زمن كورونا، لم يكن هذا الأمر بالجديد فى بابه؛ إذ يحدثنا أحمد شفيق باشا فى مذكراته عن عام ١٨٩٨ عن أمر شبيه، إذ جاءت الأنباء عن انتشار وباء الكوليرا فى الحجاز فى ذلك العام. وبناءً على ذلك أوصى القومسيون الصحى بضرورة منع الحجاج المصريين من الذهاب إلى الحجاز فى ذلك العام، وتأجيل الحج إلى العام المقبل. لكن هذا الأمر أحدث أزمة سياسية كبرى؛ إذ كان الخديو عباس خارج البلاد، فأرسل يطلب عدم صدور تعليمات فى هذا الشأن حتى عودته إلى البلاد واتخاذ اللازم. وبالفعل اجتمع مجلس الوزراء برئاسة الخديو نفسه، وبعد التداول فى الأمر قرر: «أن يُباح السفر لمن يريد من الحجاج، ولكن على شرط أن يُمنَع الحجاج من العودة إلى مصر، إذا ظهر الطاعون فى الحجاز. واشترط على كل حاج أن يكتب تعهدًا بما تقدم قبل سفره. وأن يثبت قدرته على دفع نفقات السفر ذهابًا وإيابًا ونفقات إقامته ومَن معه ستة أشهر».
كل عام وأنتم بخير.