الرئيس السيسى سنوات التحدى والبناء 4
أنا المصرى
باتت الدبلوماسية المصرية تحظى برصيد ملموس من المصداقية الدولية، والقدرة على التأثير والتفاعل مع العديد من القضايا والملفات الإقليمية والدولية والمحورية، في إطار تحركات تحافظ على محددات أمن مصر من جهة، وتضطلع بما فرضه عليها موقعها الجغرافي وإرثها التاريخي من جهة أخرى، حتى أصبحت قوة مصر الناعمة رافداً قوياً، وتشكل دوراً في الارتقاء برسالة مصر الخارجية.
لقد عادت الدولة المصرية- منذ قيام ثورة الثلاثين من يونيو وحتى الآن- بقوة سلاح الدبلوماسية الرئاسية المصرية، ودبلوماسية المطارات والمؤتمرات، التي كانت قد حرمت منها مصر منذ عشرين عاماً مضت، وباتت تنتهج سلاح العلاقات الخارجية، كدبلوماسيات القمم التي يجري تدشينها على أرض مصر، وفيها يجتمع الرؤساء بعضهم البعض، من أجل تبادل الرؤى والأفكار والمقترحات.
وبالتالي، فدائماً ما تكون القرارات التي يجري اتخاذها ذات آلية تنفيذية أكثر من أي شىء آخر.
على مدى الأسبوعين الماضيين لم تهدأ حركة الطائرات إلى القاهرة حاملة أمراء وملوك ورؤساء دول عربية وغربية، حتى مسئولة الاتحاد الأوروبي، طلباً للغاز الذي يخفف من وطأة أزمة دول أوروبا من الطاقة.. كل ذلك يأتي في إطار السياسة الاستراتيجية والقمم الدبلوماسية الرئاسية التي يقوم بها الرئيس عبدالفتاح السيسي لدعم هذه العلاقات الوثيقة الإستراتيجية، سواء كان ذلك في الرباعي العربي «مصر والسعودية والإمارات والبحرين»، يعقبها العلاقة الثلاثية بين مصر والأردن والعراق، ثم القمة بين مصر والأردن والبحرين، ولقاء ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وآخرها زيارة أمير قطر، تميم بن حمد.
كل هذه اللقاءات تمثل علاقات ودوائر وشراكات استراتيجية لدعم الصف العربي، رغبة في أن يسود تبادل المنافع والخيرات بدلاً من النزاعات.. لتنتقل بذلك العلاقات الاستراتيجية الخارجية المصرية من الملح الأجاج إلى العذب الفرات، حيث شهد عام 2013 وضعاً مظلماً، في ظل تجميد الاتحاد الإفريقي عضوية مصر، وقطع العلاقات من جانب الاتحاد الأوربي، وصولاً إلى أن العالم أجمع الآن يلهث وراء نسج علاقات استراتيجية وثيقة مع الدولة المصرية، مثل روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودول القارة الإفريقية.
وقد أتت زيارة أمير قطر إلى مصر في توقيت بالغ الدلالة، من خلال استكمال مسار الانفتاح الذي تبنته كل من القاهرة والدوحة، في أعقاب المصالحة العربية الخليجية، يناير2021.. فمنذ هذا التاريخ، تم وضع أسس واضحة وحاكمة للمسار، من خلال صياغة تعزيز التعاون بين البلدين، وإزالة كافة أشكال الخلاف، من أجل صياغة موقف استراتيجي عربي مشترك، يقدر على مجابهة التحديات الإقليمية والدولية، في ظل حالة استقطاب عالمية حادة وضاغطة على كثير من مناطق العالم، ومنها المنطقة العربية.
وما التحركات الدبلوماسية التي جرت خلال الأسابيع الماضية، وفي القلب منها اللقاءات الرئاسية مع العديد من زعماء المنطقة، إلا دليل على جهد حقيقي لمواجهة التحديات بخطط استراتيجية واضحة، من خلال محادثات موسعة بين القيادات، لوضع النقاط على الحروف في العديد من المجالات.
زيارات زعماء الخليج وملك الأردن، عبدالله بن الحسين، الأخيرة للقاهرة، دليل على صياغة موقف عربي مشترك في سبيل حماية الأمن القومي بالمنطقة، بعد أن تمكنت الدول العربية من توحيد موقفها خلال قمة العلا في السعودية، لتحقيق التعاون المشترك خلال الفترة القادمة، وتوحيد الرؤية العربية، التي جعلت الجانب الأمريكي ينظر للمنطقة بشكل مختلف، لما لديها من وجهة نظر واحدة، وضعت جميع دول المنطقة على قلب رجل واحد، لم يغب فيه الصوت العربي المتوازن، الذي استطاع- خلال الأزمة الروسية الأوكرانية- أن ينأى بنفسه عن حالة الاستقطاب، التي تحاول أمريكا أن تمارسها في كثير من مناطق العالم المختلفة، لأنها أدركت أن الاستقطاب أمر مضر بمصالحنا القومية.
لقد ظهر الدور العربي الهام من قبل في ظل تداعيات وتأثيرات جائحة كورونا على الطاقة والغذاء، في ظل حاجة الدولة المصرية إلى الاستثمار المباشر.. فمنذ أحداث 2011 وحتى اليوم، شهدت مصر إنجاب 25 مليون طفلاً، «وهذا الأمر يلقي بأعباء كبيرة، ويُلزم الدولة بأن تحقق معدلات نمو اقتصادي لا تقل عن 8% سنوياً»، ولذا، فإن البيان الرئاسي الصادر بعد زيارة أمير قطر يضم مؤشرات إيجابية عديدة حول العمل المشترك المصري والعربي والقطري، وقد شهدت الفترة السابقة لتلك الزيارة طفرة في الشراكة المصرية السعودية، والثلاثية مع الأردن والإمارات.. هذا النوع المتطور من الشراكات وتبادل الميزات النسبية والنوعية التي تمتلكها كل دولة، موجهة لرفاهية الشعوب وتخفيف الأعباء عنهم، ومرور المرحلة الاستثنائية التي يمر بها العالم.
يروي السفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما كان في مدينة نيويورك الأمريكية، آخر مرة، قام بإجراء أربعين مقابلة خلال خمسة أيام.. وفي أحد المؤتمرات هناك سعى لخلق فرص أكبر للتعاون ولحل المشاكل العالمية والدولية، وهنا تبرز ميزة المؤتمرات الدولية المقامة على أرض مصر، التي تجمع الكل في رواق واحد، لأن مثل تلك اللقاءات التي لو تم تنظيمها على حدة مع كل رئيس لاستغرقت أشهراً طويلة، والحمد لله، فإن مصر من أكثر وأكفأ دول العالم في التعاون الدولي والتواصل الفعال والبناء.
وفي الإجمال.. يواجه العالم العربي كثيراً من التحديات الداخلية والخارجية، التي كان لها- ضمن ما كان- تأثير واضح على الاستقرار الداخلي في الوطن العربي، وعلى مؤسساته المختلفة، وهذه التحديات داخلية، تتمثل في التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ومنها التطرف والعنف وقضية الأمن الغذائي العربي، والأمن المائي، حيث أصبحت أزمة المياه حالياً ورقة مهمة في الصراع السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية، وربما اعتبرت فتيل الأزمة في النزاعات الإقليمية.. وكذلك الفقر والبطالة، الأمر الذي استوجب إصلاحات اقتصادية عميقة.. ومن التحديات الخارجية التي يواجهها الوطن العربي، التهديدات والتحديات السياسية الأمنية، وهى أبرز القضايا المطروحة حالياً على الساحة العربية، وتؤثِّر على العالم العربي في مجموعه، كما أن هذا النوع من التحديات لا يمكن لدولة بمفردها مواجهتها أو وضع حلول لها، لأنها تستلزم تضافر جهود وإمكانات مجموعة من الدول العربية أو كلها لإيجاد سياسة مشتركة، بعيداً عن عوامل القُطرية أو التفرّد الذي حظيت به المجموعة الأولى من التحديات.. كما أن الحكومات العربية اتخذت موقفاً إيجابياً من الحملة الدولية على الإرهاب.
إذن.. هي تحديات جسام تخوضها مصر، وعلى مدى ثمانى سنوات مضت، ولا تزال تسعى وراء حلها، بدأب وروية وحكمة واقتدار، سواء على المستوى الداخلي، الذي أصبحت ثمار تنميته لا تخفى على كل ذي بصر، أو خارجياً، من خلال أساليب انتهجتها الدولة المصرية، عملت على نجاح سياستها الخارجية، باعتراف الخصوم قبل الأشقاء، حتى بات العديد من الدول التي كانت مناوئة لدولة 2013 تتودد إلى الدولة المصرية الآن، وتريد إقامة علاقات جديدة معها، قائمة على الندية، وتعكس قيمة مصر ومكانتها، التي لا سبيل إلى نكرانها أو تجاهلها، باعتبارها ثقلاً مهما في ميزان العلاقات الدولية الحالية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.