لعنة دار الأوبرا: بدأت بحريق وانتهت بحريق و«فلست» الخديو إسماعيل
بينما ينتظر المواطنون مدفع إمساك اليوم التاسع من شهر رمضان الموافق ٢٧ أكتوبر ١٩٧١، ملأ الجو دخان كثيف لم يُعرف مصدره إلا بدخول صباح اليوم التالى، إذ اندلع حريق هائل داخل دار الأوبرا.
الكاتب الصحفى طاهر عبدالرحمن قال، فى كتابه «حكايات من الأرشيف»، إن المعاينات التى نشرتها صحيفة «الأهرام» والصحيفتان اللبنانيتان «الأنوار» و«النهار» أوضحت أن النيران استمرت ساعتين إلى أن أكلت المبنى كله وانهار مبنى دار الأوبرا المصرية بعد مائة وعشرين عامًا على تشييده، وتكبدت الدولة خسائر وصلت لعشرة ملايين جنيه بتقدير الأموال حينها.
ونشرت صحيفة «الأهرام» أن النيران التهمت مخزن ديكور دار الأوبرا وهو واحد من أكبر مخازن دور الأوبرا فى العالم، تصل مساحته إلى ٢٥٠٠ متر مربع وقيمة محتوياته بـ٢ ونصف مليون جنيه، واستخدمت الديكورات فى ٣٢٠٠ أوبرا ومسرحية رسمها وصممها كبار فنانى العالم، بالإضافة إلى مخزن أسلحة يضم ٢٠٠٠ قطعة بين أسلحة ودروع، من بينها قطع أصلية استُخدمت فى حروب نابليون بونابرت، كذلك المسودة الأولى لأوبرا عايدة بخط يد الأثرى الفرنسى ميريت باشا والموسيقار فيردى، بالإضافة إلى مسودات ١٠٠ أوبرا أخرى.
ورغم هذه الخسائر الفادحة والمروعة حُفظت التحقيقات ولم يُقدم أو يعُرف أى مرتكب للفاجعة وظلت غامضة.
وشُكلت لجنة بعد الحريق بأيام، حيث اجتمع مجلس الوزراء وأعلن تكليف لجنة ضمت أحمد بهاء الدين وأحمد الصاوى ومحمد زكى طليمات وشكرى راغب وصلاح طاهر بجانب عدد من المتخصصين والمهندسين، لدراسة مقترح بناء دار أوبرا جديدة.
وأعلن محمود فوزى، رئيس مجلس الوزراء، عن تخصيص اثنين ونصف مليون جنيه من الميزانية العامة لبناء دار أوبرا جديدة، على أن يكون مكانها بجوار مبنى التليفزيون على كورنيش النيل أو فى العباسية على مدخل مدينة نصر وأُجل البت فى استغلال أرض الأوبرا القديمة. والغريب أن دار الأوبرا المصرية كانت تنتظر بعد شهرين من الحادثة، أى فى شهر ديسمبر ١٩٧١، إقامة حفل بمناسبة مرور مائة عام على تقديم مسرحية أوبرا عايدة لذا- حسبما يؤكد «عبدالرحمن» فى كتابه- لاحقت اللعنة «أوبرا عايدة» ولم يحتفل المصريون باليوبيل المئوى كما حدث وقت تأليفها عام ١٨٦٩ بمناسبة افتتاح قناة السويس.
وكان من المقرر أن تقدم «أوبرا عايدة» فى حفل افتتاح قناة السويس، لكن حرب السبعين اندلعت وحالت دون وصول المعدات من باريس وقدمت أوبرا «ريجولتو» بدلًا منها وبعدها بعامين عام ١٨٧١ قُدمت «أوبرا عايدة» على خشبة مسرح دار الأوبرا المصرية.
خطط الخديو إسماعيل لحفل افتتاح قناة السويس لاستقبال عدد كبير من ملوك العالم وملكاته فى حفل يليق بهم، فقرر بناء دار أوبرا فى القاهرة وكلف مهندسين إيطاليين بتشييدها فى وقت قصير فانتهوا منها فى ٦ أشهر. ويشير طاهر عبدالرحمن إلى أن مبنى دار الأوبرا المصرية ارتبط بـ٣ أمور غريبة عندما رغب الخديو إسماعيل فى بنائها وسط القاهرة طلب شراء قطعة أرض من ملاكها مقابل مبلغ زهيد فرفضوا البيع، وفجأة نشب حريق فى تلك الأرض قضى عليها وعلى كل مبانيها، فلم يكن هناك حل أمام ملاكها سوى بيعها بثمن بخس وزهيد، يضيف «عبدالرحمن»: «بدأت بحريق وانتهت بحريق». الأمر الغريب الثانى الذى ارتبط بدار الأوبرا أن نص قرار بنائها أشار إلى أنها دار مؤقتة إلى أن يتم بناء دار جديدة، وبذلك يكون، قبل أن يلتهمها الحريق، قد مر عليها مائة واثنان عام كـ«دار مؤقتة». والأمر الثالث أنها بعد مرور ٧ سنوات من تشييدها، رهن الخديو إسماعيل أرض دار الأوبرا المصرية ومبناها لرجل أعمال إيطالى يدعى إيكالبو لولو مقابل ٩ ملايين جنيه وثلاثة وثلاثين ألف جنيه وخمسمائة وأربعة وثمانين قرشًا.