توفيق الحكيم يحاكم ابنه بـ«5» آلاف جنيه على صفحات «الأهرام»
خلافات حادة وطموحات متعارضة وشبه قطيعة، هكذا تلخصت علاقة الأديب توفيق الحكيم بابنه «إسماعيل»، ولم يفوت الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل الفرصة التى اعتبرها صراعًا بين الأجيال، واقترح على «الأب» أن يكتب مقالًا بجريدة «الأهرام» تحت عنوان «تلاقى الأجيال»، بعد أن يشاهد ابنه وهو يعزف الموسيقى فى إحدى حفلاته.
كان «الحكيم» يرغب فى أن يرى ابنه «إسماعيل» مهندسًا، فيما كان الابن يريد أن يصبح موسيقارًا، وازدادت الخلافات بينهما إلى أن وصلت إلى ما يشبه القطيعة، خاصة بعدما اقترض الابن من والده «المعروف ببخله» مبلغًا ماليًا ليؤسس فرقته الموسيقية «بلاك كوتس»، ولم يستطع رده.
نشر «هيكل» تنويهًا فى الصفحة الأولى من جريدة «الأهرام» بأن توفيق الحكيم سيكتب مقالًا جديدًا تحت عنوان «تلاقى الأجيال»، وعرض عليه مبلغ ٥ آلاف جنيه كمكافأة إضافية عن المقال، بخلاف راتبه من الصحيفة.
لم يصدق «الحكيم» عرض «هيكل»، وشك فى جديته، رغم أن الكاتب الصحفى الكبير كان جادًا فى عرضه، واتفق مع الفنان صلاح طاهر، المستشار الفنى لـ«الأهرام» والأديب يوسف إدريس، الكاتب بالمؤسسة، على أن يصطحبا «الحكيم» فى مغامرته لمشاهدة ابنه.
وبالفعل حضر الأديب الكبير حفلًا موسيقيًا لابنه «إسماعيل»، وكتب انطباعاته ومشاهداته فى مقال على صفحتين بالعدد الأسبوعى لـ«الأهرام».
وفى كتابه «حكايات من الأرشيف»، يشير الكاتب الصحفى طاهر عبدالرحمن، إلى أن تلك المرة كانت من المرات النادرة التى يقترح فيها «هيكل» على «الحكيم» أن يكتب مقالًا فى موضوع بعينه، موضحًا أن علاقة الصداقة التى جمعت بين الكبيرين منذ تعارفهما فى بداية فترة الخمسينيات، امتدت إلى الوقت الذى أصدر فيه «الحكيم» كتابه «عودة الوعى»، وهاجم فيه الرئيس جمال عبدالناصر هجومًا شديدًا، وهو أمر لم يوافق عليه «هيكل».
وأشار «عبدالرحمن»، فى كتابه، إلى أن «هيكل» تعرض لعلاقة الأديب الكبير توفيق الحكيم بابنه مبكرًا، وكتب، فى عام ١٩٥٦ فى «أخبار اليوم» عدد ١٤ يناير، أنه لا يجيد التعامل مع ابنه، وعرض لرأى «الحكيم» الذى قال إنهم لن يجيدوا التعامل مع أبنائهم أبدًا.
كما روى الكاتب الصحفى إبراهيم عبدالعزيز، الذى ألف عددًا من الكتب عن «الحكيم»، قصة الأيام الأخيرة من حياة الابن «إسماعيل»، وقال: «عندما اشتد الألم على إسماعيل، نادى والده، وكانت كلمة «بابا» أجمل كلمة يسمعها توفيق الحكيم فى حياته، فلم يشعر بطعمها ومذاقها إلا فى هذه اللحظة».
ووفقًا للكاتب، فى اللحظة التى كان الأب فيها قد قرر أن يسافر بابنه للخارج لعلاجه جاءه صوت ابنته «ناجا» وصوت زوجة إسماعيل الثانية «هيدى» تصرخان: «إسماعيل مات».
ساعتها لم يشعر توفيق الحكيم بنفسه، بل كان يصرخ ويقوم ويسقط فى صالون البيت، ويسرع إلى الشرفة ويعود وهو يلطم، ومرت ساعة على هذا الوضع قبل أن يصمت تمامًا.
وكلما اقترب شهر أكتوبر، الذى يحمل هذه الذكرى التعيسة، انهار الكاتب الكبير، وتعاوده مشاعر الذنب، ظنًا منه أنه هو من أهمل ابنه فى طفولته، وحرمه حنانه، وأن ذلك هو ما تسبب فى موته.