البحث عن أمل.. كواليس الاتصالات الأمريكية الفلسطينية قبل زيارة «بايدن»
تتوالى الاتصالات بين السلطة الفلسطينية والإدارة الأمريكية، خلال الفترة الأخيرة، تحضيرًا لزيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى المنطقة، منتصف الشهر المقبل، مع ترتيب لقاءاته فى رام الله وتل أبيب، وسط خيبة أمل فلسطينية من الإدارة الأمريكية الحالية بسبب كثرة وعودها التى لم تنفذ على أرض الواقع.
تأتى زيارة الرئيس الأمريكى وسط حالة من عدم التفاؤل الفلسطينى بعد عودة التوتر مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، إثر دفع الجناح اليمينى فيها نحو سياسات أكثر عنفًا فى الضفة الغربية والقدس، فيما تطالب واشنطن بمنحها فرصة جديدة لتحسين الأوضاع، دون الإعلان عن تبنى مبادرة جديدة لإطلاق عملية السلام مجددًا، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
غضب من عدم وفاء الإدارة الأمريكية بوعودها وتدهور العلاقة مع تل أبيب
التقى حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، فى مكتبه بمدينة رام الله، وفدًا أمريكيًا، برئاسة باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكى، وتم التشاور خلال اللقاء حول آخر التطورات والتحضير لزيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى رام الله، فى لقاء سيكون الأول بين "بايدن" والرئيس الفلسطينى محمود عباس.
فيما أعلن البيت الأبيض، فى بيان صحفى، أنه من المقرر أن يلتقى "بايدن" خلال جولته نظراءه بالمنطقة، لتعزيز الأمن والمصالح الاقتصادية والدبلوماسية للولايات المتحدة، وسيبدأ الرئيس الأمريكى زيارته إلى إسرائيل ببحث موضوعات تتعلق بأمن إسرائيل وازدهارها واندماجها المتزايد فى المنطقة، حسب تعبير البيان.
كما سيزور الرئيس الأمريكى الضفة الغربية لـ"التشاور مع السلطة الفلسطينية ولتأكيد دعمه القوى لحل الدولتين، مع تدابير متساوية للأمن والحرية وإتاحة الفرص للشعب الفلسطينى".
من جهته، وجه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دعوة جديدة لواشنطن للوفاء بوعودها قبل الزيارة المتوقعة، كما حذر، قبل أسبوعين، فى اتصال هاتفى مع وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، من أنه على وشك خفض مستوى العلاقات مع إسرائيل بسبب "انتهاكات الأخيرة للقانون الدولى فى القدس الشرقية والضفة الغربية".
ومثل موقف "عباس" تراجع التفاؤل الفلسطينى خلافًا لما حدث عند تنصيب "بايدن"، الذى وعد، فى بداية ولايته، بإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى ما كانت عليه قبل إجراءات سلفه دونالد ترامب، إلى جانب منح مئات الملايين من الدولارات من المساعدات للفلسطينيين فى غضون أشهر من توليه منصبه، كما أعلن، أيضًا، عن إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، التى أغلقها "ترامب" فى عام ٢٠١٩.
لكن، فى مواجهة معارضة كبيرة من الائتلاف الإسرائيلى، تراجع "بايدن"، منذ ذلك الحين، عن الوفاء بتعهداته الانتخابية، مما أثار حفيظة السلطة الفلسطينية، التى أصبحت تشعر بالإحباط والتجاهل من قبل واشنطن خلال الشهور الأخيرة.
ودفع ذلك السلطة الفلسطينية إلى التعبير عن مطالبها من الإدارة الأمريكية بشكل واضح، والتى تتضمن إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس الشرقية، وإزالة اسم منظمة التحرير الفلسطينية من قائمة المنظمات الإرهابية، وإعادة فتح مكتب المنظمة فى واشنطن، واستئناف الدعم المالى للسلطة الفلسطينية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، مع الضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الاستيطان وبدء عملية سياسية مع الفلسطينيين.
وتزامن مع التوتر بين رام الله وواشنطن توتر آخر مع تل أبيب، بعدما أعلنت السلطة الفلسطينية عن عزمها تنفيذ قرارات تجميد الاعتراف بدولة إسرائيل، للضغط على الولايات المتحدة، من أجل إطلاق عملية سياسية ملزمة.
وجاء التدهور فى العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين بعد فترة وجيزة من تحسن العلاقات، إثر تولى الحكومة الإسرائيلية الحالية فى يونيو الماضى، ولقاء "عباس" مع عدد من كبار الوزراء الإسرائيليين، وسماح تل أبيب بإصدار تصاريح عمل للفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة بأعداد كبيرة، وسط سلسلة من الإجراءات التى تهدف لتحسين الأوضاع والعلاقات بين الجانبين.
واختلف الأمر خلال الأسابيع الأخيرة، على خلفية التوتر داخل الحكومة الإسرائيلية، التى جعلت خطوات الحكومة الإسرائيلية حيال رام الله أقل، مع دفع الجناح اليمينى فى الائتلاف الحاكم باتجاه سياسات أكثر عنفًا فى القدس الشرقية والضفة الغربية.
وفى الشهر الماضى، قدمت إسرائيل خططًا لبناء نحو ٤٥٠٠ منزل استيطانى، سيكون معظمها فى عمق الضفة الغربية، وجاءت هذه الخطوة وسط اشتباكات متكررة فى الحرم الإبراهيمى بين الشرطة الإسرائيلية والفلسطينيين.
على الصعيد المحلى، تواجه السلطة الفلسطينية، قبل زيارة "بايدن"، معضلة تراجع شعبيتها إثر عدم قدرتها على مواجهة الاعتداءات والتوغلات الإسرائيلية فى مدن الضفة، وما صاحب عملياتها من هدم لمنازل الفلسطينيين وقتل واعتقالات، فى إطار العملية العسكرية فى جنين، التى تعرف باسم «كاسر الأمواج»، بالإضافة إلى صعوبة استمرار التنسيق الأمنى بين الطرفين فى ظل غياب العملية السياسية.
كما تواجه أزمة اقتصادية حادة بسبب ارتفاع الأسعار، وعدم قدرة الحكومة على دفع رواتب الموظفين كاملة، مع تزايد الإضرابات النقابية، بالإضافة إلى استمرار الخلاف مع حركة «حماس».
واشنطن تطلب فرصة لتخفيف حدة العنف ومناقشة قضايا تهم الفلسطينيين
فى إطار تحسين الأوضاع قبل زيارة «بايدن»، أعلنت الولايات المتحدة، قبل أسبوعين، عن إعادة خط اتصال مع السلطة الفلسطينية قطعته الإدارة السابقة، موضحة أن وحدة الاتصال، التى عملت فى السابق بصفة مستقلة كقنصلية فى القدس قبل ضمها إلى السفارة الأمريكية فى إسرائيل، ستقدم تقاريرها مرة أخرى مباشرة إلى واشنطن، بدلًا من تقديم التقارير إلى السفير الأمريكى فى إسرائيل، فى خطوة بيروقراطية، لكنها تحمل دلالة رمزية.
وأعلنت واشنطن، أيضًا، اعتزامها تعيين هادى عمرو، نائب مساعد وزير الخارجية، ليكون المبعوث الخاص للفلسطينيين، وهى خطوة تحفظت عليها السلطة الفلسطينية حينها، وتم تجميدها بعد اتصال هاتفى بين «عباس» و«بلينكن»، حسب تصريحات مسئولين أمريكيين وفلسطينيين لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل».
كما حاول الوفد الأمريكى أن يطمئن رام الله، بأن واشنطن لا تزال تعمل للحفاظ على فرص حل الدولتين، حتى مع إعلان المسئولين الأمريكيين أنهم لا يعتزمون إطلاق مبادرة سلام جديدة فى المستقبل المنظور.
فى المقابل، تحاول السلطة الفلسطينية الضغط على الإدارة الأمريكية بهدف الحصول على مبادرة مهمة خلال الزيارة، التى لن تكون القضية الفلسطينية هى المحور الرئيسى لها، مع افتراض أن الرئيس الأمريكى سيرغب فى القيام ببادرة إيجابية إزاء السلطة الفلسطينية من أجل إرضاء الجناح اليسارى فى حزبه الديمقراطى، الذى تحول خلافه مع إسرائيل إلى أحد البنود الأساسية فى أجندته السياسية.
فى الوقت نفسه، نجحت الاتصالات الأمريكية والعربية فى إقناع السلطة الفلسطينية بعدم تنفيذ بعض القرارات المتعلقة بتجميد الاعتراف بإسرائيل، لمنح الرئيس الأمريكى فرصة لمناقشة القضايا التى تهم الفلسطينيين خلال زيارته المرتقبة للمنطقة.
ووفقًا لمصدر بحركة «فتح» الفلسطينية فإن السلطة ليس لديها آمال كبيرة تعلقها على زيارة «بايدن» لكنها وافقت على منحه الفرصة، رغم اقتناع كثيرين بأنها تحاول فقط إضاعة الوقت، وذلك بعد فترة توتر طويلة، وبعد أن فشلت الإدارة الأمريكية الحالية فى الوفاء بوعودها تجاه الفلسطينيين، وتغاضت عن مشكلة المستوطنات بحجة الخوف من عودة رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق بنيامين نتنياهو إلى السلطة.
فيما يرى مراقبون أن زيارة الرئيس الأمريكى إلى الشرق الأوسط يمكن أن تكون فرصة لترتيبات جزئية من شأنها أن تخفف من حدة العنف بين الجانبين، وتضمن المصالح الإسرائيلية الأمنية، وفى الوقت ذاته تترك مجالًا أوسع للفلسطينيين من أجل إدارة شئونهم بأنفسهم، وربما تكون هذه هى الرسالة التى سيحملها معه «بايدن» إلى إسرائيل والفلسطينيين خلال زيارته المرتقبة.