زيارة محمد بن سلمان
مشددًا على «المصير المشترك ووحدة الموقف تجاه مجمل القضايا والتطورات الإقليمية والدولية»، ومؤكدًا دور مصر «المحورى والراسخ كركيزة أساسية للأمن والاستقرار فى المنطقة» ومشيدًا بـ«الإصلاحات الاقتصادية التى تنتهجها الحكومة المصرية»، غادر الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد السعودى، القاهرة، أمس الأول الثلاثاء، بعد زيارة استمرت يومين، بدأ بها جولة إقليمية مصغرة، اختتمها أمس الأربعاء، بزيارة تركيا.
الملفات الثنائية والإقليمية والدولية، التى تناولها معه الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال جلستى المباحثات، الثنائية والموسعة، عكست حرص البلدين على تحديد الأولويات فى ظل المتغيرات الدولية المتسارعة. وأكد البيان الختامى المشترك، رغبتهما المشتركة فى تعزيز التعاون الاقتصادى، الذى يهدف إلى تحقيق الاستقرار والرخاء الاقتصادى للشعبين الشقيقين ويعزز قدرتهما على تجاوز الأزمات الدولية الأخيرة. وما من شك فى أن الطفرة التى حققتها مصر فى مجال البنية الأساسية وفى القطاعات التنموية المختلفة، قادت إلى تطوير علاقات التعاون وتعظيم المصالح المتبادلة وتشجيع الاستثمار والاستغلال الأمثل للفرص المتاحة.
البيان المشترك أشاد، أيضًا، بمستوى التعاون والتنسيق الأمنى القائم بين البلدين، وأثنى على جهودهما فى مجال مكافحة الإرهاب وتمويله. ومع استعراض الجانبين القضايا العربية والإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، أكد الجانب السعودى دعمه الكامل للأمن المائى المصرى باعتباره جزءًا لا يتجزأ من الأمن المائى العربى، وحث إثيوبيا على عدم اتخاذ أى إجراءات أحادية بشأن ملء وتشغيل ذلك السد الذى تبنيه على النيل الأزرق، وأعرب عن تضامنه الكامل مع مصر فى كل ما تتخذه من إجراءات لحماية أمنها القومى.
الجولة الإقليمية المصغرة، التى شملت الأردن، كان من المقرر أن يقوم بها ولى العهد السعودى، منذ فترة، لكن تم تأجيلها نتيجة ارتباطات رسمية لجميع الأطراف، وتصادف أن تتزامن مع التحركات المصرية للتنسيق العربى العربى المشترك، فى مواجهة الأزمات المتزامنة، والمتلاحقة، التى يعيشها العالم. وتصادف، أيضًا، أن تسبق زيارة الرئيس الأمريكى جو بايدن إلى السعودية، والتى من المقرر أن تجمعه خلالها قمة مع قادة مصر والأردن والعراق ودول مجلس التعاون الخليجى، وهى القمة التى توافق الرئيس السيسى وولى العهد السعودى على أهميتها.
القمة، التى سبق أن رحب بها قادة مصر والأردن والبحرين، خلال قمة شرم الشيخ، الأحد الماضى، من المقرر عقدها فى اليوم الثانى من زيارة الرئيس الأمريكى للسعودية، منتصف الشهر المقبل، و«تأتى تعزيزًا للعلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين السعودية والولايات المتحدة، والرغبة المشتركة فى تطويرها»، حسب بيان الديوان الملكى السعودى، الذى أشار إلى أن الرئيس الأمريكى سيلتقى خلال زيارته الملك سلمان بن عبدالعزيز، خادم الحرمين الشريفين، وولى عهده الأمير محمد بن سلمان، الذى أسعدنا، وأثلج صدرنا، تشديده، أمس الأول، على أهمية «استمرار التنسيق والتشاور المكثف وتبادل وجهات النظر بين مصر والسعودية للتصدى لما تواجهه الأمة العربية من تحديات وأزمات، والوقوف أمام التدخلات فى الشئون الداخلية للدول العربية على نحو يستهدف زعزعة أمن المنطقة وشعوبها».
المهم، هو أن ولى العهد السعودى اختار مصر، ليبدأ بها جولته الإقليمية. بالضبط، كما اختارها جده الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، منذ ٧٧ سنة، لتكون وجهته الخارجية الوحيدة. وانطلاقًا من العلاقات التاريخية الراسخة والأواصر الأخوية الوثيقة، جرت المباحثات فى جو سادته روح المودة والإخاء، وتناولت مستجدات الأوضاع التى تشهدها المنطقة والعالم. واتفق الجانبان على أهمية استمرار التنسيق والتشاور إزاء التطورات فى جميع المحافل الثنائية ومتعددة الأطراف، وناقشا سبل تطوير وتنمية العلاقات فى جميع المجالات، واتفقا على تعزيز الشراكة الاقتصادية، استثماريًا وتجاريًا، لترقى إلى متانة العلاقة التاريخية والاستراتيجية.
بالفعل، جرى توقيع ١٤ اتفاقية وصفقة، قيمتها نحو ٨ مليارات دولار، بين عدة جهات حكومية وخاصة مصرية وسعودية فى قطاعات البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، وإدارة الموانئ، والصناعات الغذائية، وصناعة الأدوية، والطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، ومنظومة الدفع الإلكترونى والحلول التقنية المالية وتكنولوجيا المعلومات. كما تم الإعلان عن اعتزام المملكة قيادة استثمارات فى مصر قيمتها ٣٠ مليار دولار. وفوق ذلك، أكد الجانبان عزمهما على إنهاء مفاوضات اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار، فى أقرب وقت ممكن، فى إطار حرصهما المشترك على توفير بيئة استثمار آمنة، وخلق بيئة استثمارية تدعم القطاعات المستهدفة: السياحة، الطاقة، الرعاية الصحية، الزراعة، النقل، الخدمات اللوجستية، و... و... والاتصالات وتقنية المعلومات.
.. وأخيرًا، نرى أننا أمام نقلة نوعية فى العلاقات الاستثمارية، المصرية السعودية، ليس فقط من ناحية قيمتها المادية، ولكن أيضًا من حيث القيمة المضافة لاقتصاد البلدين، اللذين يجمعهما مصير واحد ولغة واحدة وأهداف ومصالح ومواقف تكاد تكون متطابقة، وعلاقات وثيقة وتاريخية، على المستويين الرسمى والشعبى.