بالتزامن مع عيد «الأب».. 3 نماذج سلبية للآباء في الرواية العربية
قال الكاتب والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712 – 1798): "من لا يستطيع القيام بواجبات الأبوة، لا يحق له أن يتزوج وينجب أبناء". بينما يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: "الأب هو الشخص الوحيد الذي لا يحسد الابن على موهبته".
لطالما تغنى الكتَاب بالأب في رواياتهم، ورسموا شخصية الأب في أعمالهم بأشكال وطرق متفاوتة، بعضها يظهر فيها الأب بشكل إيجابي كما لو كان حامي الأسرة وعمود خيمتها، بينما ظهر الأب في أعمال أدبية أخرى بصورة سلبية، إذ لا يتساوى كل الآباء، وإنما يقوم بعضهم بواجباتهم، ويعتنون بأسرهم ويرعون صغارهم، بينما يخفق رجال آخرون في القيام بأعباء الأبوة، بل وقد يتحولون إلى عقبة في طريق هؤلاء الأبناء وتلك الأسرة في المضي قدمًا في الحياة.
وتحتفل معظم الدول العربية بعيد الأب بتاريخ 21 يونيو من كل عام، وفي هذا السياق، نعرض في المساحة التالية، 3 نماذج مختلفة لشخصية الأب في الرواية العربية، ولكن من طرفها السلبي، ومن ناحية "الآباء الوحوش" الذين كانوا وبالًا على أبنائهم وأسرهم.
ثلاثية نجيب محفوظ.. الأب القاسي
صدرت ثلاثية نجيب محفوظ "بين القصرين، قصر الشوق، السكرية" بين عامي 1956 و 1957، والثلاثية واحدة من أهم مشاريع نجيب محفوظ الروائية، نظرًا لكونها تعكس حال المجتمع المصري في تلك الفترة.
وقد رسم محفوظ في الثلاثية مجموعة من الشخصيات الخالدة في تاريخ الأدب، ولعل أبرزهم هي شخصية السيد أحمد عبد الجواد، ذلك التاجر الناجح، والذي فرض على أسرته نظامًا صارمًا لا يقبل النقاش.
لقد كان السيد أحمد عبد الجواد نموذجًا للأب القاسي، الغليظ، الذي يتعامل مع أبنائه بالكثير من التعالي والغطرسة، فهو من جهة يحتقر ابنه الأكبر ياسين ويرى فيه شابًا فاشلًا، ومن ناحية ثانية دخل في صدام مع ابنه الأوسط فهمي بسبب ميوله السياسية، فيما كان يتعامل مع ابنه الأصغر كمال، كما لو كان هو والعدم سواء، هذا بخلاف استسهاله لمسألة ضرب الأبناء.
وتمتد قسوة الأب لتنال كل من كانوا في البيت، فإذا كان السيد أحمد عبد الجواد غليظًا مع أبنائه الذكور، فهو أكثر قسوة مع بنتيه، بينما يتحول إلى وحش كاسر أمام زوجته أمينة، فبخلاف استخدامه لها كما لو كانت خادمة، فقد كان يجبرها على ملازمة البيت، والمرة الوحيدة التي خرجت فيها دون إذنه أدت إلى قطيعة طويلة بينهما انتهت بتوسط الأبناء لإعادة أمهم المطرودة إلى المنزل.
الخبز الحافي.. الأب القاتل
على الرغم من أن الكاتب المغربي محمد شكري (1935 – 2003)، انتهى من كتابة الخبز الحافي في 1973، إلا أنه لم ينشرها باللغة العربية إلا في 1982، وذلك التأخير مرده إلى طبيعة الرواية والأحداث القاسية، وحالة التعري والمكاشفة التي صنعها شكري بكشف عورات المجتمع.
وفي مطلع رواية "الخبز الحافي"، يفجعنا مشهد قتل الأب لابنه الأصغر، بسبب بكائه المتواصل لأنه جائع، فقد جاء في الرواية: "أخي يبكي، يتلوى ألمًا، يبكي الخبز. يصغرني، أبكي معه، أرى أبي يمشي إليه، الوحش يمشي إليه، الجنون في عينيه. يداه أخطبوط، لا أحد يقدر أن يمنعه. أستغيث في خيالي، وحش! مجنون! امنعوه! يلوي اللعين عنقه بعنف، أخي يتلوى، الدم يتدفق من فمه. أهرب خارج بيتنا تاركًا إياه يسكت أمي باللكم والرفس. اختفيت منتظرًا نهاية المعركة. لا أحد يمر. أصوات ذلك الليل بعيدة وقريبة مني. السماء. مصابيح الله شاهدة على جريمة أبي. الناس نائمون. مصباح الله يظهر ويختفي. شبح أمي. صوتها خفيض. تبحث عني. تنتحب. الظلام يخيفني. (...) ينتحب وينشق السعوط. عجيب: يقتل أخي ثم يبكيه".
أقفاص فارغة.. الأب المدمن
بعد مسيرة طويلة مع الشعر، أصدرت الكاتبة فاطمة قنديل روايتها الأولى المعنونة بـ"أقفاص فارغة"، وهي رواية تقارب السيرة الروائية، وتتخذ من حياة الكاتب معينًا تنهل منه أحداثها ومساراتها.
وفي رواية "أقفاص فارغة"، قدمت فاطمة قنديل شخصية الأب، المحب، والطيب، الذي يحاول أن يرعى أسرته وينفق عليها، إلا أنه، يعاني من عيب خطير جدًا، متمثل في إدمانه على الكحول. للدرجة التي تقوده إلى الإفلاس، وتجعله يذهب ثملًا لمقابلة اختبار العمل كمدرس في إحدى البلدان العربية، وهي الفرصة التي جاءت له ليتمكن من إعالة أسرته مجددًا بعد فترة من العطالة. وبالطبع يفشل الأب في تجاوز الاختبار بسبب حالة السكر البين التي كان عليها.
ويموت الأب في رواية "أقفاص فارغة" ميتة تعيسة، فصحيح أنه مات في بيته بين يدي زوجته وابنته، إلا أنه مات في نوبة تعب شديدة بسبب السكر الدائم، للحد الذي جعله يقضي نحبه شبه عاريًا أمام ابنته وزوجته. فيترك لهما بذلك ذكرى ختامية لا تُنسى عن هذا الرجل الذي لم يقم بواجبات الأبوة كما ينبغي.