أزمات نصنعها بأنفسنا
جميعنا يتابع هذه الأيام تلك الأزمات التى تمر بها معظم دول العالم والتى أصبح من الصعب التنبؤ بها نتيجة المتغيرات اليومية فى الأحداث العالمية والمحلية، حيث إن هذا التنبؤ من الممكن أن يترتب عليه التقليل من أثار تلك الأزمات أو تداركها إلا أنه فى ظل عدم هذه القدرة يصبح من الصعب وضع التصورات والخطط والسيناريوهات لمنع الأزمة أو تقليص آثارها.
ومن المعروف أن هناك أزمات تأتى من صنع الطبيعة أو الظروف المناخية أو حتى الظروف المحيطة بالدول وهناك أزمات تكون من صنع الإنسان نفسه، هذا الإنسان الذى يصنع الأزمات بنفسه ثم يعيش فيها ويتصور أنه ضحيتها فى حين أنها صنيعته أصلاً. وإذا نظرنا إلى واقعنا حاليًا فى مجتمعنا الداخلى سنجد أننا يوميًا تقريبًا نصنع الأزمة تلو الأخرى ثم نحاول تصدير أسبابها نتيجة وجود قصور فى أداء الدولة أو واجباتها تجاه أبناءها، وذلك على غير الحقيقة، فالدولة مثلها مثل جميع دول العالم تتعرض حاليًا لأزمات اقتصادية غير مسبوقة كان من الصعب توقعها خاصة تلك الحرب الدائرة حاليًا بين روسيا وأوكرانيا المدعومة بحلف الناتو، والتى تخطت أثارها الحدود حتى شملت معظم دول العالم. وأيضًا الأزمات التى نتجت عن انتشار فيروس كورونا وعن التغيرات المناخية، بطبيعة الحال فإننى هنا لن أكون منحازًا إنحيازًا كاملًا للدولة وأجهزتها بيد أننا لا بد أن نضع الأمور فى نصابها والحقائق فى مكانها. تلك الحقيقة التى تشير إلى أن هناك العديد من الأزمات تشاركنا جميعنا فى حدوثها بل وفى تفاقمها ومن المنتظر أن تحدث أزمات أخرى أراها قريبة الحدوث فى المستقبل القريب إذا لم نكن مستعدين لها استعدادًا جيدًا بحيث نكون عوامل مساعدة للدولة وليس معاول هدم لها. وهنا أشير إلى بعض الأزمات التى صنعناها بأنفسنا خلال السنوات القليلة الماضية وتفاقمت فى الأونة الأخيرة لعل من أبرزها ذلك النمط الاستهلاكى المتزايد وغير المبرر خاصة فى وقت الأزمات وهو ما نراه حاليًا فى التعامل مع رغيف الخبز الذى يتم إهدار جزء منه نتيجة سوء صناعته أو الاستهلاك غير المنضبط، إخفاء السلع الاستهلاكية الغذائية والمهمة لكل أسرة نتيجة جشع التجار، وذلك لرفع قيمتها نتيجة عدم القدرة عن الاستغناء عنها، كذلك الحال بالنسبة للسلع الاستراتيجية. وأقصد بها تحديدًا محصول القمح الذى يتم إخفائه عن الدولة طمعًا فى بيعه للمطاحن الخاصة والفنادق وغيرها بأسعار مضاعفة، على الرغم من التسهيلات التى تقدمها الدولة للمزارعين ومحاولة تسديد أسعار ذلك المحصول أولاً بأول، على الرغم من الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها. ثم نأتى إلى جانب آخر من جوانب الأزمات التى نصنعها بأنفسنا وهى تلك المناسبات الإجتماعية المبالغ فيها خاصة حفلات الزواج التى تصرف فيها الملايين من الجنيهات دون مبرر، بل إنها يترتب عليها ذلك الاستياء الذى يعترى الرأى العام بل ويزيده سخطًا على الأوضاع الداخلية فى البلاد، ثم نأتى إلى ذلك الخطر الداهم الذى نعانى منه منذ عدة سنوات ألا وهو سوء استخدام منصات التواصل الاجتماعى. لقد أصبحت شبكات التواصل الاجتماعى المتهم الأول فى خلخلة الحياة الاجتماعية وإثارة المشاكل وتحولت إلى أداة تخريب وتمزيق لأوصال المجتمع وأخلاقياته وإشاعة الفوضى ونشر الرذيلة والشائعات المغرضة. وكذلك سلاح تلجأ إليه الدول وأجهزة المخابرات العالمية كوسيلة لتفكيك المجتمعات من الداخل، وها نحن نرى ونقرأ يوميًا عن جرائم دخيلة على المجتمع المصرى وعاداته وتقاليده وقيمه ومبادئه. وهناك أزمة حقيقية أرى أننا يجب أن نستعد لها ونساند دولتنا فى التعامل معها بكل الجدية والأمانة وهى أزمة ترشيد استهلاك المياه، وذلك على ضوء ما تقوم به إثيوبيا حاليًا من الاستعداد للملء الثالث لسد النهضة. أتمنى أن تجد هذه الدعوة من الآن صدى لدى أبناء الشعب قبل الدولة فى ترشيد استهلاك المياه، وأن يكون تعاملنا مع أجهزة الدولة تعامل التعاون وليس الخصم فجميعنا فى قارب واحد، ولا بد أن نسعى جميعًا لقيادته بإخلاص وأمانة. وهناك العديد من الأدوات التى نمتلكها لإطلاق حملات توعية وارشاد فى هذا المجال من أهمها المساجد والكنائس والمدارس والإعلام والأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى. أزمة المياه من وجهه نظرى هى الأزمة القادمة ومن هنا لا بد أن نتكاتف للتعامل معها من خلال تغيير أساليب استخدامها سواء فى الحياة العادية أو الزراعية وأشعار المواطن بمسئوليته الفردية تجاه مجتمعه عن ذلك، والتعاون مع أجهزة الدولة لتحقيق الاستفادة القصوى من المياه التى سوف نستخدمها فى كافة مجالات الحياة. إنها رسالة أرجو أن يعيها الجميع من الآن كى نتمكن من بدايتها من تلافيها أو التقليل من أثارها السلبية على حياتنا وحياة الأجيال القادمة بإذن الله.. وتحيا مصر.