مأساة اللاجئين وفرار المهاجرين ونعمة الوطن
يقول استيفان، الذى كان مفترشًا الأرض هو وأسرته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجته على الحدود فى أوكرانيا انتظارًا لحافلة تقلهم إلى الغرب حتى يصلوا إلى مركز اللاجئين فى مدينة هانوفر بوسط ألمانيا- إن ما يحدث هو أسوأ كابوس ممكن أن يعيشه الإنسان، خاصة إذا كان أبًا لا يعرف كيف يحمى أسرته من البرد والجوع ويهرب بهم من المعارك الدائرة فى بلادهم، لا يستطيع أن يدبر لهم منزلًا آمنًا ينامون فيه ليلًا، وليست لديه فكرة عن المستقبل سوى أنه مظلم لأنه لا يعرف خطوته التالية بعد مركز اللاجئين، وأين يذهب بهم بعد ذلك، فهو شعور لا يوصف من القهر والخوف، لا يوجد منزل، لا يوجد وطن.
فإن الحرب لا ترحم وتحول الناس بين ليلة وضحاها إلى لاجئين يعيشون فى خيام وينتظرون الشفقة والعطف من غيرهم، بعد أن كانوا مواطنين ينعمون بالاستقرار فى بلدهم مهما كانت ظروفها، فقد تكون ظروف المعيشة صعبة بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، بسبب ضعف الإمكانات والظروف الحياتية داخل الدولة، ولكنهم فى النهاية لديهم منزل وعمل وأسر وعائلات وأصدقاء، يعلمون دائمًا أن لديهم بيتهم الخاص الذى يرجعون إليه ولا يفترشون الشوارع وينامون فى العراء، أولادهم فى مدارس أو جامعات، قد تكون حياتهم فقيرة ولكنها آمنة مستقرة.. فهم ليسوا لاجئين فى بلاد غريبة، تائهون يشعرون بالخوف والضياع كل لحظة، يأتى لهم الطعام والشراب مرة، ولكن دائمًا ما يكون بداخلهم خوف من ألا يأتى كل مرة.
وقد اعتبر النشطاء داخل إنجلترا ترحيل طالبى اللجوء من بريطانيا إلى رواندا شيئًا غير إنسانى، فى خطة اعتبرها كثيرون فى منتهى القسوة، ووفقًا للأمم المتحدة فإن ٣٫٦ فى المئة من مجموع سكان العالم يعيشون خارج بلدانهم ما بين مهاجرين ولاجئين ومغتربين، حيث وصل العدد إلى ٢٨١ مليون شخص عام ٢٠٢٠، مقارنة بـ١٧٣ مليونًا عام ٢٠٠٠.. وهو مستوى قياسى لانتقال البشر، حسب تعبير الأمم المتحدة، ووفقًا لها أيضًا فإن الحرب الروسية- الأوكرانية رفعت أعداد اللاجئين والمهاجرين على مستوى العالم إلى أكثر من ١٠٠ مليون، واحتلت أوكرانيا المرتبة الثانية بعد سوريا فى أعداد اللاجئين.
وناقشت إحدى المنصات العالمية أمر المصطلحات المرتبطة بذلك، لافتة إلى أننا لا نعرف الفرق بين المهاجر واللاجئ والمغترب فى وصفنا حال المواطن الذى ينتقل من بلده للعيش فى بلد آخر، ويحدث الخلط غالبًا بين وصفىّ اللاجئ والمهاجر.
فقد كتبت الدكتورة شارلوت تايلور، كبير المحاضرين فى مركز الهجرة فى جامعة ساسكس، أن وسائل الإعلام لا تتحرى الدقة بشكل كافٍ فى استخدام اللغة المناسبة لوصف الأشخاص الذين يعبرون حدود أوطانهم، وهى المصطلحات التى تصل إلى أسماعنا بشكل يومى.
حيث قالت فى وصف المغترب إنه الشخص الذى ينتقل من مكانه إلى مكان آخر للعثور على عمل وظروف أفضل للمعيشة، ويكون أحيانًا بشكل مؤقت، مثل الذى ينتقل إلى بلد آخر للعمل فى فترة الصيف أو فى أحد المواسم المرتبطة بالأعياد فقط.
أما المهاجر، فهو الشخص الذى ينتقل إلى بلد آخر للعيش فيه بشكل دائم أو مدى الحياة، وقد تكون بمحض إرادته وأحيانًا أخرى يكون مجبرًا عليها، مثلما يفر الشخص من بلده لأسباب سياسية أو دينية، مثل الإيرانيين الذين هاجروا من بلادهم بعد اندلاع الثورة الإسلامية فى إيران، أو هجرة الأفغان بعد سيطرة طالبان على بلدهم، وتقول تايلور إن لديها مخاوف بخصوص الكلمات المستخدمة فى وصف الهجرة مثل «موجة.. تدفق.. سيل» لأنها تعتقد أن هذه اللغة قد تجعل أبناء البلد المستضيف ينظرون إلى المهاجرين على أنهم مجرد سلع أو منتجات وليسوا بشرًا.
وعن اللاجئ، فهو الحالة الأكثر قسوة، لأنه الشخص الذى أُجبر على مغادرة بلاده هربًا من الحرب أو الاضطهاد، أو بسبب الكوارث الطبيعية، ولذلك تقول الدكتورة تايلور إننا هنا أمام حالة مختلفة تمامًا، لأنه تكون لديه مجموعة معينة من الحقوق لأنه ترك وطنه بسبب ظروف خارجة عن إرادته وعلى غير رغبته، وتضيف أيضًا أنه قد يكون هناك شخص هو مزيج من كل ما سبق، وهو الذى يشمل الذين يخاطرون بحياتهم فى محاولة الوصول إلى وجهتهم، وفى هذه الحالة فإن السلطات لم تبت فى طلبه للحصول على صفة لاجئ، كما أنه يزعجها بشدة أن الساسة ووسائل الإعلام يشككون فى طلب اللجوء، هل حقيقى أم وهمى، لأن من يطلب اللجوء هو طالب لجوء، فقد يتم رفض بعض الطلبات، لكن طلب اللجوء هو حقيقى فى كل الحالات.
وقد انتقد الكثيرون بريطانيا على قرار إرسال طالبى اللجوء لديها إلى دولة رواندا التى تقع فى شرق القارة الإفريقية، والذى وصفته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بأنه انتهاك للقانون الدولى، وأنه أمر غير مقبول، وفى نفس الوقت قال بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطانى، إن هذه الخطة تتوافق مع القانون الدولى، ويبدو أن الإنجليز الذين يفعلون ذلك للمرة الثانية فى تاريخهم لديهم إصرار على تنفيذ ذلك رغم التكاليف المادية التى ستكلف بريطانيا ١٢٠ مليون جنيه إسترلينى لنقل الأفراد والعائلات إلى رواندا، رغم أن أكثر من ١٦٠ منظمة خيرية وجماعة داخل البلاد طالبت بإلغاء الخطة، كما أن أحزاب المعارضة وبعض أعضاء حزب المحافظين الحاكم انتقدوا هذه السياسة، كما قال أيضًا الأمير تشارلز فى وصف خطط نقل اللاجئين والمهاجرين إلى رواندا بأنه أمر مروع.
وقد فعلتها بريطانيا من قبل فى النصف الأول من القرن الثامن عشر، عندما تم إرسال البحرية الملكية البريطانية إلى غرب إفريقيا لاعتراض شحنة عبيد أفارقة، وإنقاذهم وتحريرهم عن طريق العمليات البحرية حول الأطلسى، ولكنها لم تُعدهم إلى بلادهم ولم يؤخذ رأيهم عند إعادة توطينهم فى أى بلد يريدون الاستقرار، حيث نقلتهم إلى الأمريكتين، وهو ما قد اعتبره الكثير فى هذا الوقت غير قانونى أيضًا.. ولكن الشىء اللافت فعلًا هو الطريقة أو المفهوم الذى يفكر به البلد المضيف للمهاجرين، ولا سيما اللاجئين، فهم بالنسبة له عبء، ولكن الإنسانية هنا هى ما تحدد طريقة التعامل، فهم أشخاص لا حول لهم ولا قوة مجبرون على قبول وضعهم، أو أى وضع آخر تجبرهم الظروف عليه، ليس لديهم حرية فى الاختيار، لأنهم فى كل الأحوال لا يستطيعون العودة إلى بلادهم، فإما أن يكرمهم البلد المضيف ويعاملهم بإنسانية، أو يعاملهم على أنهم شىء بلا روح ومجرد منقولات يضعها حيث يشاء حتى لو فكر فى نقلهم من قارة إلى أخرى.. وهو ما يجعلنا نحمد الله ونشكر فضله كل لحظة على نعمة الوطن.