عبدالرحمن بدوى وثورة يوليو
تعتبر مذكرات عبدالرحمن بدوى من أكثر المذكرات إثارةً للجدل فى العقدين الأخيرين، وربما يرجع ذلك إلى الطبيعة الحادة لشخصية بدوى، فضلًا عن اعتزازه المفرط بنفسه، وتحامله على الآخرين، إلى الدرجة التى تدفعنا إلى تناول مذكراته بحذرٍ شديد، خاصةً عندما يتحدث عن ثورة يوليو.
ويُعَد بدوى أحد أهم أساتذة الفلسفة فى المنطقة العربية؛ إذ قام بالتدريس فى العديد من الجامعات المصرية والعربية، وقضى الفترة الأخيرة من حياته فى فرنسا، إلى أن عاد إلى القاهرة قبيل وفاته فى عام ٢٠٠٢.
فى بداية الجزء الثانى من مذكراته يصب بدوى جام غضبه على يوليو، سياستها وزعيمها، إذ يبدأ هذا الجزء- الذى يؤرخ لعام ٦٧ عام رحيله عن مصر إلى فرنسا- بداية صاخبة ناقمة: "وداعًا أيها الوطن المكبل بالقيود، الحافل بالجواسيس والمخبرين، فضاع صوت الأحرار من المواطنين بين جمهور المواطنين المستسلمين".
كما يوجه بدوى النقد الحاد لسياسة الإصلاح الزراعى التى من وجهة نظره لا تتناسب مع طبيعة مصر كبلد زراعى، يحتاج إلى الملكيات الواسعة، والأموال الوفيرة للإنفاق عليه.
كما يوجه سهام نقده إلى المشير عبدالحكيم عامر ورئاسته ما عُرف بلجنة "تصفية الإقطاع"، ويرى أن انشغال عامر والجيش بالانخراط فى المهام المدنية أدى إلى هزيمة يونيو ٦٧، هذه الهزيمة التى يصفها بأنها: "من أنكر الهزائم التى عرفتها مصر فى كل تاريخها".
وينتقد بدوى الإعلام المصرى فى الفترة الناصرية: "كان الشيوعيون المؤتمرون بأوامر موسكو قد سيطروا على كل أدوات الإعلام، من صحافة وإذاعة ودور نشر ومؤسسات إنتاج سينمائى، وصارت كل هذه الأدوات فى خدمة التخريب والسطو والتسلط".. وبالقطع هناك مبالغة شديدة فى رأى بدوى، كما أنه نسى أو تناسى أن الشيوعيين قضوا سنوات طويلة فى المعتقل فى أثناء هذه الفترة.
وتصل ذروة الغضب المبالغ فيه عندما يصف لحظة خروجه من مصر فى عام ٦٧، وهجرته إلى فرنسا قائلًا: "تحولت مصر كلها إلى سجن كبير لا يسمح بالخروج منه إلا للسجانين، لهذا كم كانت فرحتى عظيمة حين سمح لى بالخروج من هذا السجن".
وفى الحقيقة تطرح مذكرات بدوى بشدة علينا السؤال المنهجى حول "ذاتية الكاتب"، وبالتالى الحذر فى تناولها كمصدر تاريخى، وعلينا أن نتذكر أيضًا أن بدوى قد صب جام غضبه على الجميع، حتى أساتذته، مثل: أحمد أمين وطه حسين.. والأكثر من ذلك أن بدوى نفسه قد عمل فى إطار نظام ثورة يوليو، سواء أستاذ جامعى أو عضو فى لجنة دستور ١٩٥٤، كما تولى منصب المستشار الثقافى فى السفارة المصرية فى سويسرا من عام ١٩٥٦ إلى عام ١٩٥٨.. هكذا تكون ميزة وآفة المذكرات "ذاتية الكاتب".