الصين فى قمة الأمريكتين!
بفشل كبير، انتهت أمس الجمعة «قمة الأمريكتين»، التى استضافتها مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، وكان من المفترض أن تستغلها الإدارة الأمريكية، لإحياء العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبى، التى لم يزرها جو بايدن منذ دخوله البيت الأبيض، فى يناير ٢٠٢١، بينما زارها الرئيس الصينى شى جين بينج ١١ مرّة منذ تولّيه رئاسة بلاده، سنة ٢٠١٣. وتكلّل هذا الفشل، أو تمت بروزته، بظهور عبارة «صنع فى الصين»، على غالبية محتويات الحقيبة، التى وزعتها «غرفة التجارة الأمريكية»، على ضيوف القمة!.
تأسست منظمة الدول الأمريكية فى ٣٠ أبريل ١٩٤٨، لتقوية السلام والأمن فى الأمريكتين، وتعزيز وتوطيد الديمقراطية التمثيلية، مع الاحترام الواجب لمبدأ عدم التدخل، وضمان التسوية السلمية للنزاعات التى قد تحدث بين الدول الأعضاء والسعى إلى حل المشكلات السياسية والقضائية والاقتصادية التى قد تنشأ بينها. وتعزيز تنميتها الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية عن طريق العمل التعاونى و... و.... ومع ذلك، كان اجتماع قادة الدول الأعضاء، فى ميامى، أواخر ١٩٩٤، بمبادرة من الرئيس الأسبق بيل كلينتون، هو القمة الأولى، والأخيرة التى تستضيفها الولايات المتحدة، قبل استضافتها القمة الحالية: القمة التاسعة.
بزعم وجود مخاوف أو تحفظات متعلقة بسجل حقوق الإنسان والديمقراطية فى كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا، لم توجّه إدارة بايدن الدعوة إلى رؤساء الدول الثلاث، ما تسبب فى غياب رؤساء المكسيك والسلفادور وبوليفيا وجواتيمالا وهندوراس، و... و... وهو الغياب الذى أرجعه مايكل شيفتر، الخبير البارز فى مركز أبحاث «الحوار الأمريكى الداخلى» إلى تراجع هيمنة الولايات المتحدة فى المنطقة، وتضاؤل نفوذها السياسى والدبلوماسى، موضحًا أن قادة تلك الدول لا تخفى عليهم أزمات إدارة بايدن الداخلية، وانخفاض شعبيتها، واحتمالات فقدانها السيطرة على الكونجرس بعد انتخابات الخريف المقبل.
فى كلمة الافتتاح، وصف الرئيس الأمريكى القمة بأنها «فرصة سانحة للتعاون حول بعض الأفكار الجريئة والإجراءات الطموحة وإظهار قوة الديمقراطية الهائلة أمام الشعوب». وأعلن عن إطلاق «شراكة الأمريكتين للازدهار الاقتصادى»، التى قال إنها ستتضمن إطارًا لعمل اقتصادى، سيجعل التجارة الإقليمية أكثر استدامة، ويعزز سلاسل التوريد، ويخلق فرص عمل، ويعالج أزمة التغير المناخى. وبدا واضحًا أن بايدن لم يدرك بعد، أن بلاده فقدت تأثيرها ونفوذها، مقابل تمدّد وتزايد النفوذ الصينى.
حفاظًا على هيمنتها، دعمت الولايات المتحدة الانقلابات وأرسلت قواتها إلى جاراتها، أو فنائها الخلفى، واغتالت عددًا من رؤسائها وسياسييها. لكن مع تركيزها على أفغانستان والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، توجّهت الصين نحو أمريكا الجنوبية بسرعة كبيرة، مستفيدة من قوتها المالية والسياسية، ولم يعد سرًا أن بكين ضخت استثمارات كبيرة فى تلك المنطقة، وصارت أكبر شريك تجارى لكل دولها تقريبًا، باستثناء ثلاث دول.
المهم هو الدول المستبعدة من قمة لوس أنجلوس، والتى يجمعها تكتل «البديل البوليفارى للأمريكتين»، كانت قد عقدت أواخر مايو الماضى، قمة بديلة، فى هافانا دعا إليها الرئيس الكوبى ميجيل دياز كانيل، ووصفها بأنها «قمة تكامل وتضامن وتعاون.. قمة إنسانية.. قمتنا». وأشار خلالها الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو إلى أنهم اجتمعوا «للتعبير عن الرفض الشديد والقاطع والمطلق للرؤية الإمبريالية التى تسعى إلى استبعاد شعوب الأمريكتين». وقال الرئيس البوليفى لويس أرسى: «إذا كانوا يريدون تنظيم لقاء بين الأصدقاء، فليفعلوا ذلك، لكن لا يمكنهم تسميته قمة الأمريكتين». ومن ماناجوا، شارك دانيال أورتيجا، رئيس نيكاراجوا، افتراضيًا، وأكد أن الولايات المتحدة «تعيش لحظة فصام، وتعتقد أنها تستطيع السيطرة على الكوكب بأسره».
تكتل «البديل البوليفارى للأمريكتين»، ألبا، تأسس سنة ٢٠٠٤، بمبادرة أطلقها الرئيس الفنزويلى هوجو شافيز، والزعيم الكوبى فيديل كاسترو، ثم انضمت بوليفيا، فى ٢٠٠٦، ونيكاراجوا، سنة ٢٠٠٧، بعد عودة دانيال أورتيجا إلى الحكم، وبالتتابع انضمت جمهورية الدومييكان، وأننتيجوا وباربودا، و... و... وجزر سانت فنسنت والجرينادين، التى شارك رئيس وزرائها رالف جونسالفيس فى قمة هافانا، أو فى القمة البديلة.
.. وتبقى الإشارة إلى أن صفة «البوليفارى» تشير إلى سيمون بوليفار، زعيم استقلال أمريكا الجنوبية فى القرن التاسع عشر، الذى يتوسط تمثاله الميدان الذى يحمل اسمه، بالقرب من مبنى السفارة الأمريكية بالقاهرة.