عين العاصفة.. انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية على إسرائيل
فى فبراير ٢٠٢٢، نشبت حرب فى أوكرانيا، وما زالت مستمرة وتؤثر على المنظومة الاقتصادية العالمية، وتضعف استقرارها، وتتسبب فى ارتفاع حاد بالأسعار فى العالم، مع ظواهر نقص فى الغذاء والمواد الخام وهزات حادة فى الأسواق، فى ظل حقيقة أن تشديد العقوبات ضد روسيا ووقف استيراد النفط منها أوروبيًا يُلقى بظلاله على الاقتصاد الأوروبى والعالمى.
وفى إسرائيل، انعكس ذلك على هيئة زيادة مستمرة فى تكلفة المعيشة، وارتفاع أسعار المساكن والوقود، والتضخم بشكل عام، وكذلك ارتفاع أسعار الفائدة، ما أدى لخسائر فى بورصة تل أبيب، ما جعل الإسرائيليين يحبسون أنفاسهم، انتظارًا لما ستسفر عنه الأزمة، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية.
مخاوف من المشكلة العقارية والهشاشة السياسية وارتفاع الرهان على التكنولوجيا
على مدار عقود، اعتادت إسرائيل التعامل مع الأزمات، خاصة الأمنية منها، ما جعل اقتصادها مرنًا فى مواجهتها، ومكنها من الصمود فى وجه عدد من الأزمات المالية العالمية السابقة، من بينها أزمة عام ٢٠٠٨، وأزمة كورونا.
ولذلك، وحسب بنك إسرائيل، فإن الناتج المحلى الإجمالى انخفض بشكل طفيف فى الربع الأول من عام ٢٠٢٢، كما أن معدل التضخم الحالى يبلغ ٤٪، بعد أن ارتفع فى العام الماضى، لذا فهو لا يزال أقل بكثير من العديد من الاقتصادات الأخرى، كما أنه ارتفع أكثر من ذلك فى سنوات سابقة.
ورغم ذلك، يؤكد البنك أن الاقتصاد الإسرائيلى سجل نموًا، وأن قرار رفع سعر الفائدة فى إسرائيل جاء بسبب رفع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة.
وعن ذلك، قالت إليز بريزيس، رئيس مركز "أهارون مائير" للبنوك والسياسة الاقتصادية: "البيانات الحالية لا تزال متأثرة بالماضى، بالأموال التى تم إنفاقها بالفعل، لكن فى وقت لاحق من هذا العام، سيرى الناس أن لديهم نقودًا أقل وأن الأسعار أعلى، وأن الأجور لم ترتفع".
وبينما يتوقع بنك إسرائيل أن ينمو الاقتصاد بأكثر من ٥٪ هذا العام، وأن هذا النمو وحيوية الاقتصاد يدعمان ارتفاع أسعار الفائدة فإن الخبيرة الاقتصادية "بريزيس" تتوقع أن يكون النمو أقل من ذلك.
من جانبه، قال أمير يارون، محافظ بنك إسرائيل، إن سعر الفائدة سيرتفع أكثر خلال عام ٢٠٢٢، ولكن بشكل عام فإن البطالة لا تزال منخفضة، وعجز الميزانية منخفضا، والشيكل لا يزال قويًا.
ويراهن الاقتصاديون فى إسرائيل، فى مواجهة الأزمة العالمية، على قطاع التكنولوجيا، الذى يضم كثيرًا من الشركات الناشئة والمتقدمة.
وقال أليكس كومان، رئيس أحد المراكز التكنولوجية فى جامعة تل أبيب: "لقد ساعدت التكنولوجيا فى اجتياز الوباء، سواء من خلال صفقات بملايين الدولارات أو شراء مستثمرين شركات تكنولوجية إسرائيلية، أو من خلال رواتب العاملين فى القطاع، التى هى أعلى من المتوسط، ما زاد من حصيلة الضرائب".
ووفقًا لهيئة الابتكار فى وزارة الاقتصاد الإسرائيلية، فإن التكنولوجيا تمثل أكثر من نصف الصادرات الإسرائيلية، كما أن هذا القطاع ينتج نحو ١٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما أدى لارتفاع قيمة الشيكل، نظرًا لتوافر مليارات الدولارات كل عام، بالإضافة إلى الاستثمارات الضخمة لعدد من الشركات الإسرائيلية والأجنبية.
لكن، فى مقابل ذلك، يرى كثير من الخبراء الاقتصاديين أن الأزمة الدولية ستلقى بظلالها على سوق العمل داخل إسرائيل، مع حقيقة أن الشركات الإسرائيلية تكافح من أجل جذب استثمارات جديدة، ومع تراجع أسواق الأسهم، فإن المستثمرين سيكونون أقل ميلًا للمخاطرة فى الشركات الناشئة، كما ستنخفض الرغبة فى المخاطرة أكثر مع ارتفاع أسعار الفائدة حول العالم.
وحسب تقرير لصحيفة "إسرائيل اليوم"، فإن ذلك سيكون له تأثير "الدومينو"، على إسرائيل، التى تواجه أيضًا أزمة سكن، مع استمرار ارتفاع الطلب على العقارات والتراجع الكبير فى العرض.
وفى ظل أسعار الفائدة المنخفضة فى الفترة الماضية، فإن ذلك جعل الحصول على قروض عقارية كبيرة جذابًا، لكن مع كل ارتفاع فى أسعار الفائدة فإن هناك قلقًا من أن الأشخاص الذين تمكنوا من شراء منازل فى الفترة الأخيرة لن يتمكنوا قريبًا من سداد الأقساط.
وأوضحت "إسرائيل اليوم" أن التحدى الأكبر لإسرائيل، حاليًا، هو عدم الاستقرار السياسى، خاصة أن الائتلاف الحاكم حاليًا، بقيادة نفتالى بينيت، رئيس الوزراء، هو تحالف هش يمكن أن يسقط فى أى يوم، كما أن فقدان الأغلبية فى الكنيست يمنع الحكومة من اتخاذ أى قرارات مصيرية.
ازدياد أسعار الوقود وفاتورة الواردات.. وقدرة محدودة على مواجهة التضخم
لسنوات عديدة، كانت إسرائيل تستورد معظم البضائع من الخارج بأسعار رخيصة جدًا، ما جعل التضخم فى مستوى منخفض جدًا، وكان التضخم السنوى فى سبتمبر ٢٠١١ أقل من ٣٪، وفى أبريل ٢٠١٣ كان أقل من ١٪، وفى الفترة من سبتمبر ٢٠١٤ إلى ديسمبر ٢٠١٥ كان هناك انكماش.
وكان معدل التضخم خلال تلك الفترات أقل من الحد الأدنى للهدف، وكثيرًا ما كان صفرًا أو سلبيًا أو منخفضًا للغاية، حتى إنه كان يبلغ ٢٪ فقط فى أغسطس من العام الماضى، لكنه بعدها ارتفع إلى ٤٪ بسبب أزمة النفط العالمية، خاصة أن أسعار النفط المنخفضة كانت تتسبب عادة فى انخفاض مؤشر أسعار المستهلك، لكن كل ذلك تغير بعد ارتفاع أسعار النفط العالمى، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وألقى ارتفاع أسعار الفحم المستخدم فى توليد الكهرباء، بالتوازى مع ارتفاع أسعار النفط، بظلاله على إسرائيل، بعد أن ارتفع سعر الفحم الحجرى بنحو ٢٤٠٪ فى العام الماضى رغم آثاره السلبية على البيئة، ما يزيد من تعريفة الكهرباء فى إسرائيل.
ووفقًا لذلك، سيكون على الحكومة الإسرائيلية اتخاذ قرار فى الأيام المقبلة بشأن رسوم الفحم، فإما تقليصها رغم مساهمتها فى تلوث البيئة وأمراض الرئة، أو تركها على معدلها، ما سيؤدى إلى زيادة تعريفة الكهرباء.
وحسب تقرير لصحيفة "معاريف"، فإن قدرة بنك إسرائيل على خفض التضخم محدودة، لأن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر على التضخم، خاصة أن معظم المستثمرين فى جميع أنحاء العالم لا ينظرون إلى معدل الفائدة المطلق، ولكن للفروق فى العائد، خاصة عند اتخاذ قرار بشأن تحويل الاستثمارات.
وأوضحت الصحيفة أن أسعار الفائدة فى إسرائيل لن يكون لها أى تأثير على أسعار السلع العالمية، لأنها ليست قوة مؤثرة على أسعار السلع العالمية، بل تخضع لما يحدث فى الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى، الأمر الذى يجعل المنتجات والسلع العالمية التى تستوردها إسرائيل أكثر تكلفة، ليس فقط بسبب ارتفاع أسعارها، ولكن أيضًا بسبب ارتفاع أسعار الشحن البحرى بنسبة ١٣٠٪، منذ يناير من العام الماضى.
وإلى جانب ذلك، فإن أسعار المنتجات الزراعية مستمرة فى الارتفاع، خاصة القمح، الذى ارتفع بنسبة ٥٠٪، وفول الصويا والذرة بنسبة ٣٠٪، والأرز بنسبة ١٨٪ تقريبًا.
ويضاف إلى كل ذلك الارتفاع الحاد فى أسعار المواد الخام والمعدات الخاصة بصناعة البناء، ما أدى لارتفاع أسعار الشقق، بشكل غير مباشر، كما ارتفعت الإيجارات فى إسرائيل بنسبة ١.٥٪ فى العام الماضى.
وبشكل عام، وحسب تقديرات الباحثين الاقتصاديين، فإن الاقتصاد الإسرائيلى قد يشهد استقرارًا نسبيًا حتى نهاية العام الجارى، رغم استمرار الارتفاع فى الأسعار، لأن كثيرًا من العوامل الخارجية تؤثر عليه، ولا يملك بنك إسرائيل أى سيطرة عليها حتى لو تصرف بشكل صحيح.