مائة يوم من الارتباك
مائة يوم مرّت على الأزمة الروسية الأوكرانية، شهد العالم خلالها العديد من المشكلات الجديدة، والتحديات المختلفة، بسبب ارتباك الولايات المتحدة فى التعامل مع تلك الأزمة، وتضرّرها مع حلفائها، أو الطرف الذى تقوده فى الصراع، من العقوبات الاقتصادية، غير المدروسة، بدرجة أكبر من تضرّر الطرف الآخر، الذى واصل «عملياته العسكرية» وأكد أنها لن تتوقف قبل أن تحقق كل أهدافها.
أهداف «العمليات العسكرية» الروسية، قبل المائة يوم، كانت حماية سكان دونباس، ونزع سلاح أوكرانيا، وضمان التزامها الحياد، ثم أضيفت إليها مطالبة أوكرانيا بالاعتراف باستقلال لوجانسك ودونيتسك، وبالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم. وهى المطالب، التى اقترح هنرى كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق والأشهر، فى دافوس، أن يتم الاستجابة لها، جزئيًا، مشدّدًا على ضرورة التحرك نحو التفاوض «خلال الشهرين المقبلين قبل أن تحدث اضطرابات وتوترات لن يتم التغلب عليها بسهولة»، ومحذرًا الدول الأوروبية من عواقب وخيمة، على المدى الطويل، حال فشل إحياء المفاوضات، واستمرارها فى استعداء روسيا.
التوسع فى استخدام سلاح العقوبات خارج إطار آليات النظام الدولى متعدد الأطراف، بشكل غير مدروس أو قائم على حسابات خاطئة، اضطرت إدارة الرئيس جو بايدن إلى تغطية رأسها بذيل فستانها، فكشفت عن ساقيها وما فوقهما، إذ تراجعت عن مواقف عديدة كانت قد أسست عليها سياستها الخارجية، وحاولت، مثلًا، تطبيع العلاقات مع فنزويلا، كما سعت إلى التقارب مع المملكة العربية السعودية، التى كان «بايدن» قد وصفها بأنها دولة «منبوذة»، ثم أعلن، منذ أيام، عن اعتزامه زيارتها خلال الشهر الجارى، قبل أن تذكر وسائل إعلام أمريكية، أمس الأول السبت، أنه أرجأ تلك الزيارة، التى كانت ستشمل إسرائيل، إلى شهر يوليو المقبل.
اعتزام الرئيس الأمريكى زيارة السعودية، وصفته داليا داسا كاى، بأنه «ركوع لولى العهد السعودى محمد بن سلمان، لاستجداء زيادة إنتاج النفط». وفى مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز»، الجمعة الماضى، عنوانه «الركوع للأمير»، Bowing tothe Prince، رأت المديرة السابقة لمركز سياسات الشرق الأوسط بمؤسسة «راند»، أن بايدن لن يتمكن من استمالة السعوديين وإبعادهم عن روسيا والصين. ورجّحت ألا يكون محمد بن سلمان مهتمًا بتقديم أى خدمات أو تنازلات، وهو يرى أن الحزب الجمهورى، الصديق للسعودية، قد يسيطر على الكونجرس العام المقبل، وفى ظل احتمالات عودة دونالد ترامب، سنة ٢٠٢٤، إلى البيت الأبيض.
نتج عن الارتباك، أو «العك» الأمريكى، أيضًا، تبدلات فى العلاقات الدولية، فقد بات على ألمانيا، مثلًا، أن تسعى للحصول على الغاز من السنغال، التى تترأس الدورة الحالية للاتحاد الإفريقى، والتى قام رئيسها ماكى سال بزيارة روسيا، وقال بعد لقائه فلاديمير بوتين، يوم الجمعة، إنه خرج «مطمئنًا»، ودعا إلى إبقاء القطاع الغذائى «خارج العقوبات»، التى يفرضها الغرب على روسيا، وأشار إلى أنه وجد الرئيس الروسى ملتزمًا ومدركًا أن العقوبات تتسبب فى مشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة، مثل الاقتصادات الإفريقية.
يمكنك أن تضيف إلى ما سبق تزايد القلق فى الداخل الأمريكى بشأن عودة المتطرفين البيض الأمريكيين، أو النازيين الجدد، الذين انضموا إلى المقاتلين الأجانب فى أوكرانيا، بعد تدريبهم واكتسابهم تكتيكات قتالية جديدة وعلاقات قوية مع شبكة دولية من المتطرفين، بحسب مقال نشره موقع «The Grayzone»، الثلاثاء الماضى، أشار فيه ألكسندر روبنشتاين إلى أن وزارة الأمن الداخلى تحاول جمع معلومات عن هؤلاء، وأن سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية، ليس لديها أى إحصاءات عن عددهم، أو معلومات بشأن ما يفعلونه هناك!
.. أخيرًا، وبعد أن أعلن الرئيس الأمريكى، الإثنين الماضى، عن حزمة مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، تشمل أنظمة صواريخ «هيمارس»، HIMARS، عالية الدقة، أكد الرئيس بوتين، فى حوار تليفزيونى، أمس الأحد، أن القوات الجوية الروسية تتعامل بسهولة مع الأسلحة الأمريكية الجديدة و«تكسّرها كحبات الجوز»، وهدّد بضرب مواقع، لم يتم استهدافها من قبل، حال تسليم كييف صواريخ بعيدة المدى، ورأى أن الهدف الوحيد لإمدادات السلاح الغربية إلى أوكرانيا، هو إطالة أمد الصراع المسلح.