هل تنجح الوساطة؟.. علاقة إسرائيل والدول العربية على رأس أولويات بايدن فى الشرق الأوسط
يبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية، بقيادة الرئيس الأمريكى جو بايدن، تضع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، على رأس اهتماماتها الحالية، مع استهداف دفع هذا الملف أثناء زيارة «بايدن» المنتظرة للمنطقة. وقد بدأ بعض الأقلام الإسرائيلية فى الترويج إلى أن زيارة «بايدن» تستهدف إجراء المزيد من علاقات التطبيع، وتطرح فى هذا الشأن المملكة العربية السعودية، بوصفها أهم إنجاز فى هذا الملف، فى حين تتمسك الرياض بالمبادرة التى طرحتها فى القمة العربية التى انعقدت فى بيروت عام ٢٠٠٢، المعروفة بمبادرة السلام العربية، وهدفها إنشاء دولة فلسطينية مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع إسرائيل. ومن ثم فإن المملكة رفضت المشاركة فى اتفاقيات التطبيع، التى رعتها الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، اتساقًا مع الموقف السعودى الثابت منذ إطلاق مبادرة السلام العربية.
وفى السطور التالية، تستعرض «الدستور» طبيعة العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، من وجهة النظر الإسرائيلية والأمريكية، وفرص إدارة «بايدن» فى تحقيق تقدم فى هذا الملف.
تغير فى سياسة البيت الأبيض بسبب تداعيات الحرب فى أوكرانيا
رؤية الرئيس الأمريكى فى تحقيق السلام فى الشرق الأوسط مختلفة عن الرؤية التى طرحها دونالد ترامب، التى أطلق عليها وقتها اسم «صفقة القرن»، وما تلاها من اتفاقات لتطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتى الإمارات العربية المتحدة والبحرين فى عام ٢٠٢٠. وبدأت إدارة «بايدن» ولايتها بعدم الاهتمام بالشرق الأوسط، مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان والعراق، والتعامل بلا مبالاة واضحة مع الصراع الإسرائيلى الفلسطينى، ثم تعليق صفقة بيع طائرات F-35 إلى الإمارات، ورغم ذلك فإن الأمور يبدو أنها تتحرك فى اتجاه مختلف، مع ترقب أن تحمل رحلة «بايدن» المقبلة تغييرًا واضحًا فى تلك السياسة. وجاء التغير فى السياسة الأمريكية، وفق مراقبين، فى ظل عدة متغيرات، أولها الحرب على أوكرانيا، التى دفعت القوى العظمى لمحاولة كسب الحلفاء لمواجهة الحرب الدائرة فى أوروبا بين أوكرانيا ومن خلفها الغرب من جهة، وروسيا من جهة أخرى، وثانيها المفاوضات الغربية مع إيران، واقتراب توقيع اتفاقية نووية جديدة مع طهران، وسط تخوفات لدى دول المنطقة من بنود الاتفاق المرتقب.
وتسببت تحركات الإدارة الأمريكية، فى ظل الحرب الدائرة فى أوروبا، فى تغييرات كثيرة فى المشهد السياسى بالشرق الأوسط، وفق مراقبين، من بينها التأثير على السياسة التركية، ودفع لعلاقات أكثر دفئًا مع الإمارات والسعودية وإسرائيل.
كما تسببت الحرب الأوكرانية فى ظهور مواقف جديدة، وفق المراقبين، منها سياسة الرياض التى تستهدف إقامة علاقات اقتصادية واسعة مع موسكو وبكين، وهو ما ظهر عندما وصف وزير الخارجية السعودى، الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، الصين بأنها أهم حليف اقتصادى لبلاده، فى الوقت الذى لم تنضم فيه المملكة إلى العقوبات الغربية على روسيا. كما ظهر ذلك فى عدم تعجل ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، فى الموافقة على طلب زيادة إنتاج النفط السعودى لخفض أسعار النفط العالمية للحد من تأثير الحرب فى أوكرانيا.
آمال الإسرائيليين فى مزيد من التطبيع تنتعش مرة أخرى
على مدار سنوات تتردد شائعات فى الإعلام الإسرائيلى عن علاقات من وراء الكواليس بين مسئولين إسرائيليين وعدد من المسئولين فى الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، التى نفت ذلك أكثر من مرة.
وزعمت تقارير عبرية أن هناك علاقات سرية مستمرة بين البلدين منذ سنوات، تخللتها لقاءات بين مسئولين لمناقشة الملف النووى الإيرانى، فيما ادعت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن مجموعة من المسئولين الإسرائيليين زاروا السعودية سرًا خلال السنوات الأخيرة، من بينهم بينى جانتس، وزير الجيش الإسرائيلى حاليًا، عندما كان يشغل منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية، وكذلك رئيسا الموساد السابقان تامير فيردو ويوسى كوهين، ورئيس مجلس الأمن القومى السابق مائير بن شابات.
كما زعمت التقارير أن بعض رجال الأعمال السعوديين طلبوا زيارة إسرائيل لإقامة علاقات اقتصادية، وتنظيم التعاون التكنولوجى، وادعت صحيفة «جلوبس»، المعنية بالشئون الاقتصادية، أن العشرات من رواد ورجال الأعمال الإسرائيليين فى مجال التكنولوجيا سافروا مؤخرًا إلى السعودية لإجراء محادثات حول استثمارات محتملة بين البلدين.
وزعمت، كذلك، أن السعودية سمحت بدخول رجال أعمال إسرائيليين أراضيها بجوازات سفرهم الإسرائيلية، لكن بعد حصولهم على تأشيرة خاصة، وهو ما استفاد منه بعضهم عبر تنظيم زيارات للرياض ومنطقة مشروع «نيوم» السعودى على البحر الأحمر، وفقًا لادعاءات بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية.
كما ادعى موقع «واللا» العبرى أن العلاقات بين البلدين تحسنت فى السنوات الأخيرة، فى ظل ما يشهده الشرق الأوسط من اضطرابات وتمدد النفوذ الإيرانى فى عدد من دول المنطقة، خاصة أن بعض المسئولين فى المملكة يعتبرون إسرائيل «شريكًا استراتيجيًا»، على حد تعبير الموقع الإسرائيلى.
ورغم التضخيم الإسرائيلى فى الإعلان عن اتصالات بين مسئولين أمنيين ورجال أعمال من البلدين، وهى اتصالات تم أغلبها عن طريق وسطاء أو عبر لقاءات عابرة فى مناسبات دبلوماسية بالولايات المتحدة، وفق رؤية أغلب المراقبين، والحديث عن أن الاتصالات تتناول العلاقات مع إيران، إلا أن المملكة أعلنت أكثر من مرة عن وجود خلافات رئيسية بين الرياض وتل أبيب بسبب السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.
وفى ظل ذلك، يعول الإسرائيليون كثيرًا على زيارة «بايدن» المنطقة من أجل دفع العلاقات مع السعودية، على أمل أن تنجح الاتصالات الأمريكية فى إقناع السعوديين بتطبيع العلاقات، مع ادعاء أن هناك جهود وساطة، قام بها وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، مؤخرًا، خلال مكالمة عبر الهاتف مع وزير الخارجية السعودى للتنسيق بشأن زيارة «بايدن» المنطقة، خاصة أنها جاءت بعد اتصال أمريكى مماثل مع وزير الخارجية الإسرائيلى، يائير لابيد.
ويرى الإسرائيليون أن مكالمات «بلينكن» وزيارة «بايدن» قد تمهد الطريق لاجتماع دبلوماسى كبير بين إسرائيل والسعودية، لبحث توقيع اتفاقيات مختلفة، أمنية واقتصادية، خاصة فى مجال الطيران والزراعة والطاقة، وهو ما تأمل فيه تل أبيب منذ سنوات طويلة.
ترقب لوساطة أمريكية تتجاوز مبادرة السلام العربية
فى مارس الماضى، قال ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، لصحيفة «The Atlantic» الأمريكية: «نحن لا ننظر إلى إسرائيل على أنها عدو، بل نعتبرها حليفًا محتملًا»، فيما قال وزير الخارجية السعودى، فى تصريحات صحفية: «التطبيع بين المنطقة وإسرائيل سيحقق فوائد، لكننا لن نتمكن من جنى تلك الفوائد ما لم نتمكن من معالجة قضية فلسطين»، وهو ما يعنى التأكيد على بنود مبادرة السلام العربية التى طرحتها الرياض.
أما وزير الخارجية الإسرائيلى، فقال، خلال مقابلة إذاعية مع إذاعة الجيش الإسرائيلى، إنه «يتوجب على إسرائيل السعى إلى التطبيع مع السعودية، لأن الأمر فيه مصلحة لإسرائيل».
وحسب صحيفة «معاريف»، فإن «لابيد» أوضح أن ذلك لن يحدث فجأة، وإنما سيحتاج لمسار طويل، مضيفًا: «ربما لن يتم الأمر إلا بعد أن يتعاقب بعدى ٣ وزراء للخارجية». وتعول إسرائيل، فى هذا السياق، على أن تنجح فى التوصل لتفاهمات مع دول المنطقة، ومن بينها السعودية، بشأن كيفية مواجهة النفوذ الإيرانى فى الشرق الأوسط، والتنسيق فى ملف التعامل مع بنود الاتفاق النووى الإيرانى مع الدول الكبرى، وكذلك مواجهة التنظيمات الإرهابية، خاصة أن تلك الملفات تحظى بالأولوية لدى معظم الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. وتفترض إسرائيل أنها يمكن بمزيد من الجهود لتعزيز التفاهم المشترك، خاصة فى ملفى إيران ومواجهة الإرهاب، وبوساطة أمريكية، تتم بالتزامن مع زيارة «بايدن» المنطقة، أن تدفع السعودية ناحية تطبيع شامل للعلاقات معها، وهو افتراض لا يعززه أى تصريح من الرياض ولا واشنطن، خاصة أنهما لم تعلنا عن أى اتفاق محتمل فى هذا الخصوص، ولا حتى من حيث المبدأ.