روشتة طه حسين لعلاج المصريين
«وأعترف بأننى أنتهز أى فرصة تتاح للحديث عن رموز النهضة والثقافة المصرية، فى القرنين الأخيرين، ليس من باب الاجترار والتكرار، إنما من باب البحث والتجديد والابتكار، فما زلت على قناعتى بأننا فى حاجة ملحة وضرورية لتدعيم أفكار الاستنارة، والتقدم، والعلم، والتطور والنهضة، من خلال إبراز سيرة وأفكار هؤلاء الذين حملوا تلك القيم وبشّروا بها وتركوا لنا ميراثًا من المعرفة والنور، لزامًا علينا أن نحافظ عليها وأن نعمل على نشرها، وأن نبنى عليها وننطلق منها لنتجاوز أزماتنا التى تحاصرنا من كل جانب».
نعم نحن بحاجة ماسة لاستعادة كل الإنتاج الفكرى والأدبى لكل أديب وكاتب وعالم ومفكر أخلص وأبدع وحاول التغيير والتقدم ببلاده بكل صدق ومحبة، ويجب أن نتأمل هذه الكلمات التى وضعها الكاتب إيهاب الملاح فى مقدمة كتابه الذى نحن بصدد الحديث عنه، وهو الكتاب العظيم «طه حسين.. تجديد ذكرى عميد الأدب العربى»، والصادر عن دار الرواق للنشر والتوزيع. وبلا شك أننا بحاجة إلى استعادة هذا التراث الثقافى العظيم الذى أنتجه كثير من المثقفين ورجال الفكر المستنيرين، تحديدًا فى تاريخنا الحديث، بداية من رفاعة الطهطاوى والإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغانى وعبدالمتعال الصعيدى وعبدالرحمن بدوى وزكى نجيب محمود وصولًا إلى نجيب محفوظ وغيرهم من العظماء، ومن هؤلاء العظماء عميد الأدب العربى طه حسين، ولذلك كان وجود مثل هذا الكتاب ضروريًا وليس رفاهية.
يكمل الكاتب فى مقدمة كتابه:
«وكان من رأى طه حسين أن استعادة العقل مكانته ووظيفته هى الشرط الجوهرى لصنع الحضارة، وللخروج من ظلمات التخلف التى فرضتها علينا قرون من الاستبداد، استبداد المماليك والعثمانيين، واللحاق بأوروبا كند وشريك فى صنع الحضارة، وهى المكان اللائق بمصر كأول بلد بنى الحضارة».
هكذا فإن الكاتب يتوافق مع رؤية طه حسين التنموية والنهضوية، حيث يعتبران أن العقل وحده هو القادر على الخروج بنا من هذا المأزق الذى صنعته الأنظمة المستبدة عبر القرون الطويلة بنا، ولا تكون استعادة العقل مكانته إلا عن طريق التعليم والتثقيف، وأن يكون التعليم كالماء والهواء، وهذه هى القضية الجوهرية التى عاش طه حسين من أجلها وأخذ ينادى بها، بجوار مساهماته الأخرى وإنتاجه الأدبى والفكرى، ومساهماته كأستاذ جامعى فى حركة التعليم فى مصر، وهى آثار يجب أن تدرس ويجب أن نستعيدها فى كل لحظة.
فالتفكير الحر العقلانى الذى يبدع ويجدد، ولا يرضى بالركود وما هو مستقر بل يبعث الحركة والتأمل فى كل نواحى الحياة، هو الركيزة الأساسية لنهضة أى بلد بجانب التعليم الجاد مع التثقيف، فهما الركيزة الأساسية لبناء الحضارات الخالدة فى تاريخ الإنسانية.
الكتاب يتتبع شخصية العميد، وكيف تكونت ثقافته، وكيف تعرف على زوجته سوزان، لنعرف قصة الحب العظيمة والإنسانية والمفيدة للأجيال الجديدة أيضًا، تلك التى وقعت بين عميد الأدب وزوجته الفرنسية، وكيف ساعدته فى إنتاجه الأدبى والفنى، وكيف أثرت وغيرت حياته وغيّر هو حياتها.
ونتعرف أيضًا على بعض المعارك الفكرية التى خاضها العميد، متحديًا بها جمود الجامدين وتخلف المتخلفين والرجعية السائدة فى زمانه، تلك المعارك التى كان يخوضها العميد متسلحًا بالعلم والثقافة، وليس بالغوغائية والزعيق والتكفير والتنكيل.
ولأن استعادة سيرة العميد بشكل مستمر والعودة إلى منهجه الثقافى والتعليمى من الضروريات ومن السبل التى يجب على العرب اتباعها حتى يستطيعوا التقدم والخروج من دوائر التخلف والجهل، وعليه فقد تم اختيار شخصية طه حسين لتكون شخصية معرض أبوظبى الدولى للكتاب، الذى يقام الآن فى دولة الإمارات العربية المتحدة.
فطه حسين رمز وقيمة ثقافية وفكرية عظيمة بلا شك، لا ينحصر دوره فى التعبير عن أزمات ومشاكل الوطن العربى فقط، بل ينطلق ليشمل أسباب تأخر المجتمعات وتخلف الإنسان فى كل بلاد العالم النامية والمتأخرة، دون التقيد بمنطقة جغرافية.
وعلى المستوى العربى، يعتبر العميد أول من نادى وساعد المرأة العربية، وتحديدًا المصرية، فى الحصول على حقوقها المجتمعية، وأول هذه الحقوق هو حق المرأة فى التعليم، وهنا نرى معركة العميد فى دخول المرأة الجامعة لكى تتعلم، وتصبح نافعة لوطنها ولنفسها. وفى المجمل، هذا كتاب بديع ومهم ونحتاج إليه فى حاضرنا بشدة، لكى نتعرف على أزماتنا الفكرية والثقافية التى هى من أسباب تأخرنا، كما نحتاج إلى كل كتاب يؤرخ لحياة كل عظيم ومبدع مر على هذا البلد، وبالتأكيد من هؤلاء العظماء الرجل الذى استطاع أن يحارب الظلام وحده ويقهره، واستطاع أن يحارب الجمود ببصيرة وبصر أبدًا لن يعرفا الظلام.