5 يونيو 67
يأتى شهر يونيو هذا العام ليحمل لنا ذكرى أليمة علينا، مَن يُصَدق أنه مر ٥٥ عامًا على هزيمة ٥ يونيو ٦٧؟ تلك الهزيمة التى حاولنا أن نُخَفف من وطأتها فأطلقنا عليها مصطلح «النكسة»، بينما هى هزيمة ثقيلة، لا نبالغ إذا قلنا إننا فى المنطقة العربية، بل فى الشرق الأوسط، ما زلنا نعانى من تبعاتها حتى الآن.
ومن المهم فى تاريخ الأمم القيام بحركة مراجعة تاريخية للأحداث الجلل فى تاريخها، وأتصور أننا حتى الآن لم نقم بما تقتضيه علينا هذه المهمة. وربما ونحن نقترب من الذكرى السبعين لثورة يوليو، نستطيع ضمن مراجعة تاريخ يوليو، تقديم مراجعة تاريخية لما حدث فى ٥ يونيو ٦٧. لكن من المهم ألا نختزل ثورة يوليو فى مجرد هزيمة ٥ يونيو، لأن ثورة يوليو أكبر من ذلك، وأيضًا لا ينبغى التهوين من شأن ٥ يونيو لأن جراحها لم تضمد بعد.
ومن المصادر المهمة عن ٥ يونيو وآثارها على مصر، مذكرات ثروت عكاشة المعنونة «مذكراتى فى السياسة والثقافة»، وللأسف تم اختزال أهمية هذا الكتاب فى الجانب الثقافى فقط، بحكم أن ثروت عكاشة قد تولى وزارة الثقافة فى عصر عبدالناصر، مرتين، ولحوالى ثمانى سنوات. وبالقطع يعتبر ثروت عكاشة، بحق، أهم وزير ثقافة عرفته مصر المعاصرة، ولذلك تعتبر مذكراته مصدرًا مهمًا لتاريخ الحركة الثقافية فى فترة خصبة، هى الحقبة المعروفة بالستينيات.
لكن المذكرات تعتبر أيضًا، وبحق، من أهم المصادر حول التاريخ السياسى فى الحقبة الناصرية. وربما يرجع ذلك إلى كون ثروت عكاشة فى الأصل أحد أهم رجال الصف الثانى من الضباط الأحرار، وتمتع ثروت عكاشة بميزة مهمة وهى قربه من عبدالناصر والمشير عامر فى الوقت نفسه، كما لا ننسى كونه وزيرًا للثقافة عند وقوع حرب ٥ يونيو، لذلك شغلت الحرب والهزيمة صفحات عديدة من هذه المذكرات.
ويتمتع ثروت عكاشة بالمصداقية عندما يعترف بأنها هزيمة كبرى وليست «نكسة». لذلك يشير عكاشة إلى أن الهزيمة كانت أمرًا حتميًا لما كانت عليه الأمور، ويشير إلى مسئولية ناصر فى هذا الشأن التى اعترف بها ناصر نفسه فى خطاب التنحى، كما يشير عكاشة إلى مسئولية المشير عامر، وخطأ أن يتولى عامر قيادة الجيش فى ذلك الوقت، وأنه كان من الضرورى إبعاد عامر عن الجيش منذ وقوع الانفصال مع سوريا ومسئولية عامر فى ذلك. ويصدمنا عكاشة عندما يصرح بأن قيادة الجيش فى حرب ٦٧ لم تكن على المستوى الفنى العسكرى المطلوب لمواجهة الجيش الإسرائيلى، وأنه كان من الضرورى إسناد قيادة الجيش إلى «قائد محترف» عليم بالتطورات العسكرية، ولم تقف خبرته العملية عند رتبة «الرائد».
كما يشير ثروت عكاشة إلى أن الهزيمة لم تكن لأسباب عسكرية فقط، وإنما فى الأساس لأسباب سياسية دفعت البلاد إلى هذا المصير. ويشير إلى مقولة عبدالناصر حول صراع المؤسسات فى مصر قبل حرب ٦٧؛ إذ يعترف عبدالناصر بأن: «مشكلة الدولة الآن أنها إقطاعيات: إقطاعية الجيش، وإقطاعية الاتحاد الاشتراكى، وإقطاعية مجلس الأمة، وإقطاعية الحكومة، ولن يتسنى لأحد السيطرة على هذه الإقطاعيات إلا أنا- ناصر- ولذلك رأيت أن أرأس الوزارة بنفسى حتى أقضى على هذه المشكلة».
وبالفعل مرحلة ما بعد الهزيمة مختلفة إلى حد كبير ليس فقط فى تاريخ ثورة يوليو، وإنما فى مجريات التاريخ المصرى، وهو ما سنتناوله فى مقالات مقبلة.