تحديات غير مسبوقة
يمر العالم بأسره بتحديات غير مسبوقة على مختلف الأصعدة، معظمها بسبب الحروب والصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية، وبعضها بسبب الطبيعة مثل التغيرات المناخية والتصحر والفقر المائى.
وبطبيعة الحال، فإن بلادنا ليست بعيدة عن تلك التحديات بل إنها تتعرض حاليًا للعديد منها، إلا أن معظمها للأسف الشديد بفعل البشر.. وهو الأمر الذى يؤسفنى ويزعجنى.. وكثيرًا ما أتساءل كيف يتحمل السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى تلك التحديات وكيف يتعامل معها ويحاول أن يضع الحلول ويحقق العديد من الإنجازات للتغلب على هذه التحديات؟
وعلى الرغم من ذلك نجد من يحاولون التقليل من حجم تلك الإنجازات أو تشويهها أو التشكيك فى نتائجها.
ولعل من أبرز التحديات التى تواجه الدولة المصرية حاليًا بل وتميزها عن باقى الدول "الشائعات"، فمن الواضح أن هناك ماكينة متخصصة فى خلق الشائعة ثم تصديرها للرأى العام ثم العمل على تأكيدها من خلال افتعال مواقف وأزمات مصطنعة، بهدف تشويه تلك الإنجازات وإحباط المجتمعات، وأن تلك الماكينة تسيطر عليها اللجان الإلكترونية لجماعة الإخوان الإرهابية، والتى تسعى دائمًا إلى نشر معلومات مضللة مستغلة فى ذلك الأزمات العالمية والمحلية سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية وأحيانًا الاجتماعية والدينية.
ولاشك أن صفحات "فيسبوك، وتويتر، والسوشيال ميديا" تمثل الساحة المثالية لنشر تلك الشائعات، حيث أصبحت هى المرجع الرئيسى لشعوب العالم لمعرفة الأخبار أو طرح الأفكار أو نشر الأكاذيب وإحداث الفتن والوقيعة بين أبناء الأوطان.
لن أتحدث اليوم عن تلك الإنجازات التى حققتها الدولة المصرية خلال السنوات القليلة الماضية، والتى لا يمكن أن ينكرها إلا من هو جاحد أو جاهل أو عدو غبى.. ولكننى سأتحدث من منطلق سابقة مشاركتى فى وضع تصورات وأساليب لمواجهة حروب الجيل الرابع والخامس، والتى تعتمد فى المقام الأول على الشائعات والفتن لإثارة القلاقل فى البلاد بأقل جهد ممكن أن تبذله جماعات الشر أو أجهزة الدول التى تسعى لزعزعة الاستقرار الداخلى فى البلاد ومحاولة تفكيكها.
لابد أن نعترف بأن الشائعات فى بلادنا أصبحت أسلوب حياة للأسف، فبعد أن كان الشعب المصرى معروفًا عنه اهتمامه بالنكتة والضحكة حتى فى أصعب الظروف، أصبح الآن من أهم مروجى الشائعات داخل الدولة، والتأكيد عليها لكى يثبت للجميع أنه من العالمين ببواطن الأمور فى شئون البلاد، حتى وصل الأمر إلى أنه يخترع مواقف على ضوء خبر ينشر فى إحدى الجرائد، ويبنى عليه أحداثاً وتصورات بل وقرارات ما أنزل الله بها من سلطان.
كان من أبسط الأساليب التى قمنا بتطبيقها فى فترة ما تعتمد على مناقشة الطلبة أثناء المحاضرات عن أحدث الشائعات التى وصلت إليهم وتفنيدها أمامهم أولًا بأول .. ثم كانت تلك الدورات التدريبية التى كانت تستهدف العمد ومشايخ البلد التى تحتضنها وزارة الداخلية من أنجح تلك الوسائل، حيث إن لهؤلاء التأثير الكبير على أهل قراهم ومراكزهم.. وبمرور الوقت بدأ المركز الإعلامى التابع لرئاسة الوزراء اعتبارًا من عام 2014 بدراسة أساليب أهل الشر وأعداء الوطن فى آليات ترويج الشائعات وخداع أبناء الشعب من خلال إنشاء حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى لمسئولين رسميين فى الدولة أو لجهات حكومية، واستغلالها فى نشر أخبار غير صحيحة ومعلومات تثير الجدل.
بل إن الأمر قد وصل إلى حد تداول فيديوهات وصور مفبركة لا تمت للواقع بصلة بعد أن يتم اجتزاؤها من سياقها.. ومن هنا فقد بدأ المركز منذ ذلك الحين فى الرد على الشائعات ومحاولة وأدها فى مهدها ويجتهد أن يقوم بتطوير استراتيجيات وآليات تلك المواجهة طبقًا لمعطيات كل مرحلة ومتطلباتها، ويتم عرض ذلك من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية بصفة مستمرة.
بيد أن كل تلك الجهود بدأت حاليًا فى حاجة إلى تدخلات أكثر جدية وحسم من أجهزة الدولة المعنية، فلم يعد تكذيب الشائعة كافيًا لكى يتأكد المواطن من ذلك، بل إنه يجب من المهد ضرورة العمل على الحد من إطلاق تلك الشائعات، وهذا لن يتأتى من خلال مجموعة أفراد أو مركز واحد لتحقيق ذلك، بل إننا نرى ضرورة اتخاذ العديد من الإجراءات والخطوات التى سوف تساهم بلا شك فى الحد من انتشار هذا السلاح الخبيث الذى لا يقل تأثيره عن الأسلحة الأخرى، بل قد يكون أنه أشد فتكًا وتأثيرًا منها، فهو قد يتسبب فى تفكيك المجتمعات وفى النزاعات الطائفية وفى الثورات على الحكومات.. إلخ.
ولعل أبرز ما نراه فى هذا الشأن:
-إطلاق حملة قومية لإعادة تقويم سلوك الإنسان المصرى وتعزيز الانتماء والانحياز لقضايا الوطن، وإعادة البناء الفكرى والثقافى والاجتماعى للمواطن المصرى، وأن يتشارك فى تنفيذ ذلك جميع مؤسسات الدولة وأطيافها، على أن تستمر تلك الحملة التى يجب أن تبدأ من المدارس والجامعات، وأن يتم تدريسها من خلال مواد دراسية أسوة بما يتم حاليًا فى تدريس مادة حقوق الإنسان فى جميع المراحل الدراسية.
-العمل على رفع وعى المواطن بكافة السبل والطرق الممكنة بالتعاون مع جميع الوزارات والجهات ذات الاختصاص، مع تفعيل دور وزارة الأوقاف والكنيسة المصرية والأحزاب ووسائل الإعلام للقيام بهذا الدور.
-ضرورة وجود أكثر من منبر لتغيير ثقافة الأمن المعلوماتى وسرعة التعامل مع الشائعات.. كذلك لا بد أن يكون لمصر تمثيل فى منصة السوشيال ميديا مثل الكثير من الدول المتقدمة التى توجد بها مكاتب تمثيل دولية، حيث إن هذه الدول لديها كود أخلاقى أو دليل به تعريفات ومصطلحات تتناسب مع قيم مجتمعاتهم تفرضها على إدارة "فيسبوك" لتطبيقها، وبالتالى فإن كل من يخرج عليها يتم حذفه أو محاسبته قانونًا.
-وعلى الصعيد التشريعى فإن صدور قانون حرية تداول المعلومات سوف يساهم بشكل كبير فى القضاء على الأخبار الكاذبة والشائعات أولًا بأول.
تلك رؤيتنا المتواضعة لهذا التحدى الكبير، والذى يتعاظم ويتزايد كلما حققت الدولة المصرية نجاحًا تلو الآخر، وهو الأمر الذى يزعج بل ويرهب أعداء الوطن.. وتحيا مصر.