إبراهيم المطولي: الجنوب يعاني التنميط.. وتغيير أسماء الشخصيات الحقيقية «أمر لابد منه» (حوار)
توّج الروائي إبراهيم المطولي، ابن الفيوم، بالمركز الاول في الرواية لجائزة الشارقة عن روايته "الحريق"، إذ تم تكريم المطولي في الشارقة إبان إعلان جائزة البوكر والجدل المثار حولها، «الدستور» توجهت للمطولي وكان هذا الحوار..
في البداية كيف تصف فوزك بجائزة الشارقة وما الأهمية التي تمثلها هذه الجائزة؟
أصف خبر فوزي بالجائزة بذلك الشعور الساكن في اللاوعي عندنا نحن أبناء الريف عندما تهب ريح خفيفة في العصر من ناحية الحقول تحمل برودة محببة ورائحة حبوب اللقاح،إنها سعادة خفيفة مع ارتياح رقيق، بالنسبة للشارقة تحديدا فأهميتها في وجهة نظري تنبع من شرطها أن يكون العمل المشارك هو العمل الأول للمؤلف، إذ هي تستهدف فئة من يخطون خطواتهم الأولي، وتقدمهم للعالم الأدبي وقد صبغت عليهم صفة الأديب من قبل ثلاث محكمين، لا نعلمهم على وجه التحديد ولكننا نعرف انهم في غالب يكونون من مصر والعراق والمغرب أي لا دخل لبلد الجائزة بالتحكيم.
تزامن وقت إعلان الجائزة مع إعلان جائزة البوكر وتناسى البعض أن هناك جائزة كبيرة اسمها الشارقة.. كيف ترى هذا وهل أثر على ردة فعل فوزك؟
لا أرى هذا التناسي، ربما بالعكس أنا يعجبني الجو العام الحاصل من متابعة الأصدقاء لحفلات التتويج وتهنئة الفائزين، بالإضافة إلى شيء آخر أنه تم الاحتفاء بي وبالأصدقاء الفائزين معي بالشارقة مرتين، فقد أعلنت النتائج في شهر فبراير ووقتها غمرنا الأصدقاء بالكثير من التبريكات والحب، وجاء حفل التكريم متأخرا في شهر مايو لننال تبريكات ومحبة أكثر من الأولى.
تكتب عن الفيوم بمسمياتها الطبيعية مثل القرى والمدن وكل شئ ما عدا أسماء الشخوص.. ألم تخش كتابة الأسماء الصريحة في أحداث متخيلة؟
بالنسبة لكتابة أسماء شخوص العمل الحقيقية فله إغراء قوي أعتقد إنه عند الكثير من الكتاب وليس عندي أنا فقط، ربما لأنك تكتب وأنت تتخيل الشخص المتحرك في الورق باسمه الحقيقي ولا اسما غيره، يُؤخر الكثير من الكتاب تغيير أسماء أبطالهم للنهاية ولكن لابد من تغيير الأسماء.. أولا لما عليه المجتمع الريفي من معرفة الجميع للجميع بالاسم والصفة، وثانيا لأن لا كاتباً ينقل الواقع الحقيقي فلا يعرف أحد ربما حتى الكاتب نفسه أين مساحة الحقيقي من المتخيل، وبكتابة الاسم نكون قد ظلمنا من نكتب عنهم ظلما كبيرا، في نهاية هذه الإجابة الطويلة أنقل ما يردده صديق شاعر لي مازحا:"يوما ما.. سوف تموت على يد أحد أبطالك".
الكتابة عن الأرياف والجنوب لم تعد بنفس القوة التي كانت عليها قديما خاصة بعد ظهور اجناس أخرى مثل أدب الرعب والدستوبيا وغيرها.. كيف ترى هذا؟
أنا من أنصار أن تكون طاولة القراءة مثل طاولة الطعام المترفة، عليها كل أنواع الطعام وللمتلقي اختيار ما يعجبه، فلم يحدث أن نوعا أدبيا كان سببا في إقصاء نوع آخر.
أما عن سؤالك بخصوص تراجع الكتابة عن القرية فلا أعتقد، فالقرية دائما وستظل تعطي رمزيات مثل رمزية المجتمع ككل أو الدولة أو حتى العالم.
والجنوب لازال يشكل عالما ثريا وغامض للكثيرين وأنت ترى كم يستهوي الناس أفلام ومسلسلات الجنوب، بالإضافة إلى إنني أرى أن المنطقة الوسطى من مصر أو بداية الجنوب تحديدا الفيوم وبني سويف والمنيا لم تُكتب بشكل حقيقي حتى الآن، كما أن القرية التي أكتب عنها ليست هي قرية الأستاذ يوسف إدريس مثلا، فالقرية نفسها تتغير ويطولها التبديل والتحديث ولو ببطء وتأخر.
أريد في نهاية هذه الإجابة لفت نظرك إنني أكتب في الغالب عن واحدة أصغر من القرية وهي(العزبة) والتي كانت في زمن الإقطاع ترجع إلى شخص واحد ومن بها هم عاملون لديه لذا في الغالب هي بأسماء الباشوات القدامى، الأن العزبة كيان يتمدد ويتغير ولكنه ينظر إلى القرية باعتبارها المركز، فهي التي بها المدرسة والوحدة الصحية والمسجد الكبير، في النهاية العبرة ليست في النوع سواء رعب أو رومانسي ولكن بجودة الكتابة نفسها.
لك مشروع في الكتابة وهو محاولة عكس الرؤية النمطية للريف وإظهار صورة أخرى لا يعرفها إلا من يعيش هناك.. كيف ترى ردة فعل القارئ لهذا الأمر؟
العقل الإنساني في العموم يميل للتنميط، فيقول ابن الريف في شكل وابن الصحراء في شكل والغربي بشكل والخليجي بشكل والجنوب له النصيب الوافر من حيث التنميط، حيث يتخيله الكثيرون ربما بسبب الدراما مكان يذخر بالعنف والسلاح في يد الجميع، وهذه الصورة تنهار أمام دقيقة واحدة من التفكير السليم، ومشروعي عن الكتابة ليس عكس هذه الافتراضات عن قصد وكأنني صاحب قضية، بل هو الكتابة عن الذي أعرفه وأفهمه, كما هو في الواقع, ربما يؤدي هذا إلى عكس الصورة ووقتها سأكون سعيدا جدًا، ولكن في وقت الكتابة وأثناء الفعل ذاته لا أتعمد شيء مطلقا, بل أكتب ما أحسه عما اعرفه.
أن يكتب الروائي في مشروع واحد فقد يجعل روايته متصلة منفصلة ولها مميزات وعيوب.. كيف ترى هذا؟
يجب أن يكون للروائي مشروع, ولكن يجب الحذر من فكرة المشروع والتكرار، هناك مقولة معروفة أن الأديب يكتب طوال حياته رواية واحدة.
وأنا لست مع هذا، فيجب أن يكون كل عمل جديد مغامرة جديدة وسبر أماكن مظلمة واكتشاف من الكاتب لنفسه أولا وللعالم بعد ذلك، ويجب من وجهة نظري ان يكون كل عمل جديد هو إضافة للمخزون المعرفي لصاحبه قبل القراء.