فاطمة قنديل: توقفت عن الكتابة خوفًا من ردود الأفعال والـ«فيسبوك» منصة للحمقى بالفعل
بعد دواوين شعرية عدّة، مثل "صمت قطنة مبتلة"، و"أسئلة معلقة كالذبائح"، و"بيتى له بابان"، أصدرت الكاتبة فاطمة قنديل مؤخرًا روايتها الأولى "أقفاص فارغة.. مالم تكتبه فاطمة قنديل" عن دار الكتب خان، فى تجربة سردية أولى لشاعرة قادمة من عالم المجازات.
وفى "أقفاص فارقة"، تستند فاطمة قنديل بشكل كلى إلى حياتها الشخصية وأسرتها وتاريخها، تقدم نصًا فى فن تعرية الذات والكتابة الشجاعة غير الآبهة بأى تبعات "مجتمعية" لحالة المكاشفة تلك، فى نص يمكن أن يندرج فى منتصف المسافة بين الرواية والسيرة الذاتية، أى "السيرة الروائية" إن صح الوصف.
ترى فاطمة قنديل أن الفرق بين الشعر والنثر ليس كبيرًا، فالأول يشبه الإطلال على العالم من شرفة زجاجية، بينما الثانى هو اشتباك مع ذلك العالم من خلال شرفة مفتوحة.
"الدستور" التقت الكاتبة الكبيرة، لتجرى معها حوارًا عن الكتابة، والشعر، والنثر، والنقد، وأيضًا لتسألها عن روايتها الأولى "أقفاص فارغة".
■ ماذا تمثل الكتابة في حياة فاطمة قنديل. وكيف بدأت رحلتك معها؟
في طفولتي بدأت كتابة الشعر. في الصف الثالث الابتدائي كنت أسكن في مدينة نصر، وكان مهجرون من السويس ومدن القناة وأيضًا طلبة فلسطينيين يسكنون حولنا، وفي تلك الفترة بدأت بكتابة أشعار عن القومية العربية وفلسطين، وكان عندي جمهور من الجيرة، والطلبة الفلسطينيين، وكما ذكرت في رواية "أقفاص فارغة" وجدت الراوية أشعارًا قديمة داخل علبة الشيكولاتة، حيث كنت أنشر نصوصًا في ذلك الوقت في مجلة نسائية شبابية اسمها "الشرقية". وفي مرحلة لاحقة وتبعًا لتغيرات لحقت بحياتي أصبت بنوع من النفور من الشعر، مثلًا كنت أسخر من فكرة الشعر نفسه، عندما تحب والدتي أن تقرأ علي مقاطع من قصائد لصلاح عبد الصبور الذي كانت تحبه كثيرًا. واستمر هذا النفور تقريبًا حتى 1984، عندما تمكن نداء داخلي من إعادتي للشعر، ولم أكن أعاني حينها من مشكلة ثقافية، لأنني ظللت محافظة على نشاط القراءة طوال السنوات الماضية. وفي تلك الفترة طبعت ديوان "عشان نقدر نعيش"، وهو بالعامية المصرية، ثم أرسلت بعض قصائدي إلى مجلة صباح الخير، وقام لويس جريس بإحالة قصائدي إلى فؤاد قاعود الذي احتفى بها وكتب عنها وكانت تلك لحظة مهمة في مسيرتي وتطورت علاقتي بقاعود. وبعدها كتبت مسرحية "الليلة الثانية بعد الألف" وعُرضت على مسرح الغرفة، وحصدت نجاحًا لافتًا، وكنت قبل ذلك قد درست في معهد المسرح، ثم كلية الآداب، وكانت تجاربي المبكرة في الكتابة بالفصحى، قبل العامية حتى، لكنها كانت تجربة بدائية ومحدودة، والعامية كانت أسهل بالنسبة لي، غير أنني كنت أدرك أنني عندما أطور نفسي وأتمكن من شعر الفصحى، فإنني كنت سأجد طريقًا يشبك اللغتين ببعض، الفصحى والعامية، وعندما اقتصرت كتاباتي لاحقًا على الفصحى كان هناك معترضون على تركي للعامية.
■ يقول الكاتب الراحل أسامة الدناصورى: "أرض النثر كالغابة المتشابكة الأغصان، كل أشجارها مثمرة، وقريبة المنال، لكن الثمار المرجوة دائمًا خفية، إذ لا يراها سوى ذلك الذى يمكنه أن يكون حطابًا، وطالع نخل، وصيادًا، ومستكشفًا، وقصاص أثر".. بعد عدة دواوين، كيف وجدتِ الفارق بين السرد والشعر؟
- رحم الله أسامة الدناصورى، لقد تابعت رحلته فى كتابه "كلبى الهرم.. كلبى الحبيب" فصلًا بفصل، وكنا نتصل ببعض فجرًا لنقرأ على بعضنا ما كتبناه من قصائد، وأسامة هو مكون رئيسى فى شخصيتى، ولا أخفيك سرًا ظللت لفترة أخاف أن أكتب أى شىء بعدما قرأت "كلبى الهرم.. كلبى الحبيب"، فقد قام أسامة الدناصورى فيه بكل شىء وفعل كل شىء، وأى كتابة ستتضاءل أمام كتابة أسامة فى ذلك الكتاب. وبسبب ذلك الكتاب، ترسخت لدىّ قناعة أن كتابة شىء عن الحياة الشخصية، تعنى الموت، كما حدث مع أسامة الدناصورى، كأنها لعنة.
أما بالنسبة للفرق بين الشعر والنثر، فلم أرصد فروقًا كثيرة، إلا فى شىء من التقنيات، فالتقنية تختلف بينهما، لكنهما لا يختلفان عندى على مستوى "العالم"، غير أن الشعر يشبه النظر لهذا العالم من وراء نافذة زجاجية، أم النثر فهو شرفة مفتوحة على هذا العالم.
■ يخشى الكثير من الأدباء أن يكتبوا نصوصًا متكئة على ذواتهم ربما خوفًا من الحساب المجتمعى، وعادة يلجأون للتخييل. هل شعرتِ بقلق من هذا النوع قبل وأثناء كتابة "أقفاص فارغة"؟
- لطالما تردد فى بالى هذا السؤال قبل كتابة "أقفاص فارغة"، لكننى وجدت أننى لطالما استخدمت حياتى كمادة للكتابة، حتى فى الشعر، وديوانى "أسئلة معلقة كالذبائح" أكثر جرأة دمن "أقفاص فارغة". فما الجديد بخلاف أننى استخدمت تقنيات مختلفة لأكتب عن تلك الحياة؟ لكن هذا لا يمنع أن هناك شيئًا من الخوف، لكنه خوف يحدث بعدما يستعيد الكاتب ذاته بعد أن ينهى الكتابة، وليس أثناءها، فأنا أطرد الخوف أثناء الكتابة وأتجاهله. وأعتقد أنه مع تقدم الكاتب فى العمر تتضاءل مسألة الخوف، لأن العمر يكون وراءه، ويبقى السؤال يطرح نفسه عليه: إلى متى سأظل خائفًا من أقول ما أريد قوله؟ وعمومًا فإن شجاعة الطرح ليست رأس المال الوحيد لـ"أقفاص فارغة"، بل فى تصورى إن التناغم بين اللغة والحكاية والبناء وأماكن الوقفات والتقطيع، أو بالأحرى "الصنعة" تأتى إلى جانب الشجاعة فى العناصر التى ميزت "أقفاص فارغة" بل ومنحت النص شعريته.
■ على ذكر "الصنعة"، تقولين إنك كتبتِ بلغة "عارية من المجازات"، فلماذا اخترتِ هذه اللغة العارية رغم أنك شاعرة قادمة من عالم المجازات؟
- لأننى لم أكن أريد أن أختبئ وراء المجازات، لقد أردت إحساسًا مجردًا شديد الحدة، أردت أن أكتب النثر بمعناه القديم، أن يصل المعنى والمعلومة بمنتهى الوضوح، بالمعنى البدائى الأصلى للنثر، ليس على مستوى اللغة فقط، بل وعلى مستوى "ألاعيب النثر"، فقد تخففت منها ولم أكن فى حاجة لها.
■ في "أقفاص فارغة" حكاية متكئة على حياتك.. هل نقلتِها بشكل حرفي من الواقع أم موّهتِ الشخصيات؟
لا أستطيع أن أثق في ذاكرتي بشكل مطلق، لكن لا أنكر أن هناك أحداث في "أقفاص فارغة" حدثت في الواقع، وأحداث أخرى لم تحدث، فالأسماء ليست حقيقية مثلًا، ولم أقصد بهذا أن أجد ذريعة لتشويه أحد ما. لقد موّهت الأسماء لأنني في النهاية أتحدث عن أسرة، وليس هناك داع للتجريح. كما أن هذه الأطراف غير موجودة لتدافع عن نفسها، وكما قلت فإنني لا أثق في ذاكرتي بشكل مطلق، لقد كانت هناك فجوات ملأتها بخيالي. مثلًا مسألة ميلاد الراوية على البحر في السويس كما قالت لي أمي، أنا لست واثقة من الحي الذي وُلِدت فيه رغم أنني كتبت أنه حي الأربعين. وكانت هناك أحداث أخرى لا أتذكرها بشكل كامل، وكنت أستكمل تلك الأحداث أثناء الكتابة من إحساسي بها ومن خيالي. ومن الغريب في هذا الأمر أنني كتبت الأحداث الكبرى التي مرت به الراوية والأسرة بنوع من البرود، بينما كنت أبكي مثلًا وأنا أكتب أن الرواية في طفولتها لم تكن لديها "عجلة" كباقي الأطفال في سنها، وكأن هناك حزن مختزن في الذاكرة منذ تلك السنوات.
■ هناك من قال إن "أقفاص فارغة" بمثابة معارضة أدبية لرواية "بداية ونهاية" لنجيب محفوظ.. ما تعليقك على ذلك؟
- "أنا فين ونجيب محفوظ فين؟". إنه شرف كبير أن أوضع فى مقارنة مع نجيب محفوظ، ذلك الكاتب العملاق الذى أرسلت له حين كنت طفلة رسالة لأخبره أنه فتى أحلامى. وربما مرد تلك المقارنة هو وجود مشهد فى "أقفاص فارغة" ذكرت فيه سيرة رواية "بداية ونهاية"، وتحديدًا عندما طلب رمزى أن يتزوج وسخرت أمه من ذلك، مشبهة حال ابنها بشخصية "حسنين" فى "بداية ونهاية"، ولا أظن أنك ستجد نجيب محفوظ فقط فى "أقفاص فارغة"، بل ستجد كُتّابًا كثر، فنحن فى النهاية لا نكتب من فراغ، بل نجرى معارضة أدبية مع كل الكتب التى قرأناها، وسبق لى أن صرحت بأننى أثناء كتابتى، وطوال الوقت، أعيد صياغة اثنين من الكتّاب الكبار وهما صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين. لقد كنت طوال الوقت أحاول إيجاد لغة خاصة بى، صوتى، فاللغة من أهم الجوانب التى تميز الكاتب، إنها الأداة التى يشتغل بها، فمن أول سطر فى نص ما تستطيع أن تدرك أن ذاك النص لصلاح عبدالصبور أو صلاح جاهين أو نجيب محفوظ أو غيرهم.
■ هل لغة نجيب محفوظ من وجهة نظرك هى الميزة الوحيدة فى أدبه؟
- بالطبع لا، لكنها الميزة الرئيسية التى لم تُبحث جيدًا، فمن ضمن مشاكلنا، "الموضوعاتية" فى النقد، فمازال المشتغلون بالنقد عندنا، وحتى عندما يستعيرون نظريات نقدية من الغرب، تجدهم يركزون على الموضوع. وهناك مناهج ونظريات وتيارات نقدية غير مفعّلة فى مصر.
■ هل تريدين القول إن النقد فى مصر متأخر؟
- لا، النقد فى مصر ليس كله متأخرًا، هناك فى مصر من يكتب نقدًا هائلًا، لكن الغريب أن هؤلاء الهائلين هم من لهم صلة بالإبداع أكثر ممن لهم صلة بالأكاديمية. فالنقد يحتاج إبداعًا. وعمومًا فإن هناك مشكلتين فى النقد فى مصر، فمثلًا لو حاول أحدهم أن يقرأ رواية ما قراءة نقدية، تجده يريد أن يستورد النظرية النقدية الغربية ومناهجها ليسقطها على النص المراد نقده، فهو لا يريد أن يتفاعل مع النص وينحت له سكته، بل يصر على تطبيق تلك النظرية التى قرأها فى الكتب المترجمة، على النص، فى حين أن النص كان طوال الوقت هو من يصنع النظرية النقدية. أما المشكلة الثانية فتتمثل فى الانحصار فى الأدب، فمثلًا عندما يريد ناقد ما أن يدخل رواية ما تحت مجهره فإنه ينقدها من خلال النظرية، أو من خلال معرفته بفن الرواية، لا من خلال المسرح ولا السينما ولا الفن التشكيلى، مع أنه لا توجد حواجز بين الفنون، وعلى الناقد أن يكون مطلعًا على الجديد فى السينما والمسرح وغيرهما من الفنون.
■ هل نعاني من "مجاعة نقدية"؟
لا أريد التورط في ذكر أسماء، لكن بالطبع هناك من يكت نقدًا جيدًا، مثلًا طارق إمام يمتلك حسًا نقديًا مميزًا، وهناك محمد السيد إسماعيل، لديه تلك اللمسة النقدية. النقاد الجيدون موجودون، لكنهم ليسوا كثر، وهم غالبًا من خارج الدائرة الأكاديمية.
■ لماذا لا ينتج العرب نظرياتهم النقدية؟
لا أجد في ذلك مشكلة، الإنجليزي أو الألماني لا يجلس ليشتكي من عدم وجود نظرية نقدية من ثقافته، بل يأخذ من المتاح ويمزجه ويشتغل عليه لينتج نظرية نقدية. أما نحن، ونتيجة لأننا ثقافة منغلقة، فنجلس ونتنطع على المناهج والنظريات القادمة من الغرب، في الوقت الذي يتعين علينا فيه الانفتاح على العالم بغرض توليف نظرية نقدية تناسب المنتج الأدبي عندنا. لكن مسألة المطالبة طوال الوقت بنظرية نقدية عربية يشبه المطالبة بعودة الخلافة الإسلامية. وهذا من تداعيات "السلفنة النقدية".
■ نرجع إلى "أقفاص فارغة".. حيث قُدّم الأب بوصفه مدمنًا للكحوليات، والأخ رمزى يتحول لشخص مادى، أما الأخ الآخر راجى فهو شخص مضطرب خذل الأسرة. مقابل صور مشرقة للأم، ولرئيفة صديقة البطلة وطنط شريفة صديقة الأم وحتى الدادة.. هل هناك انحايز أنثوى على امتداد "أقفاص فارغة"؟
- أنا أمومية جدًا فى هذا النص، وهذه ليست "نسوية" بالمناسبة، لأننى مقتنعة أن الأم هى الأصل، الأم الأولى، الأم الأسطورية، إيزيس وعشتار. إنهن أصل الحياة، والحقيقة أننى لم أفكر فى هذا من قبل، لكننى الآن ألحظ أن حناك حضورًا لـ"عشتار" فى "أقفاص فارغة"، بصورتيها، الطيبة المشرقة مصدر الحياة، وبوجهها الآخر الأسود الشرير.
■ استطاعت البطلة أن تتخلى عن أصدقائها تبعًا لكل مكان تسكن فيه، وتخلت عن زوجين، وكان التخلي متبادلًا بينها وبين شقيقيها، هل التخلي من وجهة نظرك أحد شروط المضي قدمًا في الحياة؟
نعم. لكن ليس بمعنى التخفف من أحمال المسئولية. في الأسطورة الإغريقية عن "أورفيوس"، وعندما طلبت منه الآلهة ألا ينظر وراءه، خالفهم وفعل ذلك ليطمئن على حبيبته، وجاء عقابه بسحب تلك الحبيبة إلى أرض الظلمات، وعن ذلك يقول رولان بارت: "إنك لن تنقذ من تحب إلا بالتخلي عنه". وهي مقولة تناسب تكويني النفسي.
■ يبدو ذكر الأحداث التاريخية الكبرى مثل الحروب والتغيرات السياسية، باهتًا في "أقفاص فارغة"، رصدتِ فقط انعكاس تلك الأحداث على شخصيات الرواية، دون الإشارة بشكل جلي لتلك الأحداث الكبرى.. لماذا؟
لأن ما يهمني كما ذكرت هو انعكاس وأثر ذلك الحدث الكبير على الفرد. لقد كتب جيل الستينيات كثيرًا عن نكسة 1967 والمد القومي وغيره، فأين كل ذلك الآن؟ بينما موقفي الحقيقي في ذلك الوقت أي حرب النكسة، أنني كنت طالبة في المدرسة ومنحونا إجازة من الذهاب للمدرسة وكنت سعيدة جدًا في ذلك الوقت بهذه الإجازة.
يستطيع السياسيون والمؤرخون أن يتحدثوا عن الأحداث الكبرى، أما أنا ككاتبة فلا يعنيني سوى انعكاس تلك اللحظات الكبرى على الشخصيات.
مثلًا، المسرح كله بجلالة قدره تغير، وبات يهتم بانعكاس الحدث الكبير على الشخصية أكثر من الاهتمام بالحدث الكبير نفسه، بعد مسرحية "موت بائع متجول" التي نقلت الحدث من النبلاء والنخبة إلى الهامش، وشخصيات الهامش، وأنا في الحقيقة كاتبة "هامش".
■ هل تؤمنين بفكرة "الأجيال الأدبية؟
ليس بالتقسيم الصارم السائد الذي يجعل الجيل كل 10 سنوات، فالجيل هو الذي يحدث نقلة بين حساسية أدبية وحساسية أدبية جديدة، فهناك من يكتب اليوم ويمكن أن يُحسب على جيل الستينيات، وبناء على هذا فأنا أنتمي للجيل الذي شهد النقلة بين الثمانينيات والتسعينيات، هذا الجيل الذي يضم أسامة الدناصوري وعلاء خالد وإيمان مرسال وعماد أبو صالح وياسر عبد اللطيف.
■ سبق لك نشر كتبك خارج مصر. لماذا اخترتِ النشر فى بيروت؟
- تعرضت لهجوم قاسٍ بسبب بعض دواوينى، وكان يمكن لذلك الهجوم أن يتطور لأفعال عنيفة ومتطرفة لولا أنه تم تدارك الأمر، وهذا أدى لانقطاعى عن الكتابة لفترة، وتصادف فى تلك السنوات وجود الناشرة اللبنانية فى مصر، واتفقنا على النشر فى بيروت. حدث ذلك فى ٢٠٠٧.
■ وهل تغير شكل الرقابة بين تلك السنوات والوقت الراهن؟
- أنشر أحيانًا بعض النصوص على الفيسبوك، لقد صارت الرقابة المجتمعية أكثر قسوة من الرقابة الرسمية. تكتب فيدخل أحدهم ويلقى لك بتعليق غليظ، بعد أن يكون قد انتزع جملة لك فى نص من سياقها ثم يبدأ فى محاسبتك عليها. الرقابة المجتمعية على الفيسبوك سيئة جدًا.
■ هل تتفقين إذن مع إمبرتو إيكو حين قال إن الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعى هى منصات للحمقى؟
- نعم بلا شك أتفق معه، رغم أن هناك من وصف هذا التعبير بأنه عنصري، لكنني أضيف على ذلك إن تلك المنصات لم تتحول إلى منابر للحمقى فقط، بل ولعديمي الإنجاز. وأضيف لذلك أن جيلنا الذي عاش في الستينيات والسبعينيات، أي قبل المد الوهابي وقبل حقبة الرئيس محمد أنور السادات، عاشوا في مجتمع وزمن كانوا يواجهون فيه الحياة بوصفهم "إنسان"، أما المجبرات على العيش في مجتمعنا الراهن فإن الواحدة منهن مضطرة لمواجهة الحياة بوصفها "أنثى". لقد انقلبت المعايير تمامًا، والمجتمع يزداد بمرور الوقت ذكورة وأبوية، وأصبحت المرأة مطالبة فيه في عمر معين أن تلتزم بسلوك بعينه وأزياء محددة، وأصبح للمرأة عمر افتراضي في نظر المجتمع، مع أن الأمور لم تكن كذلك أبدًا في الماضي.