أنيس منصور: زوجات الأدباء يشعرن بالغيرة من اهتمام رجالهن بالقراءة
دائمًا ما كان لزوجات الأدباء والفنانين دور فيما كُتب عنهم بعد رحيلهم، فقط عاشت زوجة الكاتب «تولستوى» بعده سنوات وفضحته فى مئات الصفحات، وعاشت قرينة «ديفيد هربرت لورانس» بعده عشرين عامًا لتكتب أتفه ما حدث فى حياته، وقبل أن يموت «بيكاسو» انفصلت عنه زوجته أو عشيقته الرابعة، لتكتب تاريخ حياته بعيدًا عنه.
وروى أنيس منصور، فى مقال له بمجلة «الرسالة» فى ديسمبر ١٩٦٤، أن زوجة «سقراط» لم تكتب حرفًا واحدًا عنه، وهو لم يكتب حرفًا واحدًا عنها، لكن سجل التاريخ أن زوجته رددت فى حقه الكثير من الشتائم.
ووصف «منصور» الأدباء والفنانين والمفكرين بالمساكين، لأنهم مضطرون إلى التعامل مع الحياة بعواطفهم والاستجابة إليها، ثم إطلاقها على الورق فى أشكال أدبية متنوعة، مثل المقال والقصة والمسرحية والقصيدة والرواية، وهو عمل مرهق لا يحدث فى ساعة أو ساعتين، بل فى أيام عديدة.
وقال: «هذه الحالة الشعورية والفكرية تشغل الأديب والكاتب والفنان عن نفسه، وعن أقرب الناس إليه وهى زوجته، وهنا تكمُن أزمته ومشكلته، إذ تجد الزوجة نفسها أمام شخص مسلوب ومخطوف، ويعيش فيما يشبه الغيبوبة».
وأضاف: «متاعب الفنان تظهر فى عمله الفنى، فلا هو زوج حقيقى ولا أب حقيقى ولا يعيش حياة اجتماعية حقيقية، إنما هو صورة منسوخة للزوج أو الأب أو شبح».
وذكر أن حياة الفنان هى المادة التاريخية التى تحكيها الزوجة عنه كمؤرخة، موضحًا: «فى عام ١٩٦٤ صدر كتاب لزوجة لورانس بعد وفاتها، كشفت فيه عن أن الراحل كان منشغلًا عن وظيفة الزوجية بوظيفة يراها هو أكثر حيوية وأهمية وجوهرية، وهى الأديب والفنان»، قائلًا: «هو يريد أن يكون أديبًا وفنانًا طوال الوقت وزوجًا فى أوقات الفراغ، وهى تريد أن يكون زوجًا طوال الوقت وأديبًا فى أوقات الفراغ».
ووصف أنيس منصور محتوى كتاب زوجة «لورانس» بأنه أسخف وأتفه ما فى حياته، قائلًا: «هذا الذى أراه بعينى رجل وعينى أديب أيضًا، ولكن الذى أراه تافهًا تراه هى يستحق أن يودع فى ثلاثمائة صفحة».
وقال إن الزوجة بعدما تعيش مع زوجها الأديب وتحس بأنها ليست السيدة الأولى فى حياته، لأنه يهتم بالقراءة أكثر من اهتمامه بها ويهتم بالورق والحبر أكثر من اهتمامه بالأبيض والأحمر على وجهها- تدرك أنها تعيش فى أكذوبة، فهى ليست أمام رجل تعرفه، فقد خدعها وظهر لها بصورة غير التى أحبتها، وأصبح إنسانًا آخر، ورجلًا غير الزوج الذى اختارته.
وأكمل: «تعيش الزوجة مع الأديب لكن يعنيها الزوج فقط، دون أن تدرك أنه لا يوجد انفصال فى حياة أى أديب، فلا يستطيع أن يكون زوجًا مرة وأديبًا مرة أخرى، وإنما الأديب والزوج موجودان معًا».