لغة الضاحك الباكي: لماذا كتب صلاح جاهين بالعامية؟
"فنان شامل متعدد المواهب" هكذا يطلق على الراحل صلاح جاهين (25 ديسمبر 1930 - 21 أبريل 1986)، فهو شاعر ورسام كاريكاتير وممثل مصري، وكانت "الرباعيات" هى قمة أعماله، التي تجاوزت مبيعات إحدى طباعات الهيئة المصرية العامة للكتاب، ولها أكثر من 125 ألف نسخة في غضون بضعة أيام، وهذه الرباعيات لحنها الملحن الراحل سيد مكاوي وغناها الفنان علي الحجار.
قام صلاح جاهين بتأليف ما يزيد على 161 قصيدة، منها "على اسم مصر" وأيضًا "تراب دخان" التي ألفها بمناسبة نكسة يونيو 1967، وكان مؤلف أوبريت "الليلة الكبيرة" أشهر أوبريت للعرائس في مصر.
لماذا كتب صلاح جاهين بالعامية؟ سؤال وجه لـ"جاهين" وكان جوابه: أنا أكتب بالعامية لأنها أقرب وسائل التعبير بالنسبة لي.. يمكن أن تكون الفصحى أقرب وسائل التعبير بالنسبة لواحد آخر، يعني لنفرض أنه أمامنا مجموعة تماثيل، تمثال منحوت من الحجر الجرانيت وآخر منحوت من الحجر الرملي والثالث مصنوع من البرونز، كيف نقيم في النهاية هذه التماثيل وأيها أفضل من الناحية الفنية، لا بد أن يعتمد التقييم على الناحية الفنية التي يحتويها كل تمثال، وليس على المادة المصنوع منها، ولو قال أحدهم إن الجرانيت أفضل وصنع تمثالًا من الجرانيت غير متناسق فنيًا، وسخيف، وجاء مثال آخر وصنع بالطين تمثالًا أقرب إلى الكمال الفني، هل أحكم على تمثال الجرانيت بأنه أفضل من تمثال الطين لمجرد أنه مصنوع من الجرانيت؟ أم أن القيمة الفنية ليست بطبيعة المادة، وإنما بالشكل والمضمون الفني الذي يصنعه الإنسان الفنان في تلك المادة..؟
وفي حوار له بمجلة "المعرفة" بعددها رقم 190 الصادر بتاريخ 1 ديسمبر 1977، استطرد قائلًا: "نحن نعرف بأن اللغة الأم هي اللغة العربية الفصحى، ونأمل أن تصبح لغة الحديث في الوطن العربي كله، لكن وحتى يتحقق هذا فإن لغة الحديث هي العامية، والمهم في النهاية هو المضمون الذي نقدمه للناس بشرط أن يكون مفهومًا من قبلهم.
وعن البيئة التي عاش فيها حياته الأولى وتأثيرها عليه كشف قائلًا: "أنا من مواليد القاهرة، لكن وبحكم أن والدي يعمل في القضاء، والقضاة عادة يتنقلون كثيرًا بين المحافظات فقد غادرت القاهرة وأنا في سن الرابعة وعدت إلى القاهرة في سن السادسة عشرة، موعد دخولي الجامعة، وكانت هذه السنوات الإثنى عشرة من أغنى فترات حياتي، قضيناها بين محافظات الصعيد.. في الصعيد تشعر بفحولة، حتى الأرض لها رائحة خاصة، رائحة الطمي الذي يحمل فتات الغابات الإفريقية، كل شيء في الصعيد يشعرك بالقوة.
وأضاف: لا أستطيع أن أقول إنني ابن بيئة معينة إلا إذا اعتبرنا المكان الأصغر الذي ضمني مع الأبوين هو البيئة التي أثرت في، فبحكم أنهما كان يعملان في المحاماة والتدريس، ويهتمان بالثقافة وكان البيت يحوي من الكتب أكثر مما يحوي من الأثاث فتأثرت بهذا الجو كثيرًا، واعتبر أن هذا البيت هو بيئتي.