وفاة مظفر النواب.. فى الشعر والأنفاق نجاة من الموت والطغاة
أعلنت وزارة الثقافة العراقية، اليوم الجمعة، وفاة الشاعر مظفر النواب "1 يناير 1934- 20 مايو 2022" عن عمر يناهز 88 عاما في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات.
حياة الشاعر العراقى مظفر النواب درامتيكية بالمعنى الحرفى للكلمة؛ فهو وريث روبندرونات طاغور الشاعر الهندى العظيم حيث ينتهي نسب "النواب" إلى الإمام موسى الكاظم، وخلال ترحال أحد أجداده في الهند أصبح حاكمًا لإحدى الولايات فيها، حيث قاوم الإنكليز لدى احتلالهم للهند فنفي أفراد العائلة، خارج الهند فاختاروا العراق.
فى مستهل شهر يناير من العام 1934 ولد مظفر في بغداد عام 1934 لعائلة شيعية أرستقراطية من أصل هندي "تقدر الفن والشعر والموسيقى".. وهو الوحيد من بين أقرانه الذى انتقل إليه جينياً حب الشعر وخاصة القصائد الثورية القوية والنداءات اللاذعة ضد الطغاة العرب؛ فحمل مشاعر القصيدة فى كل أنحاء الأرض، حيث رحل من بغداد بعد أن طرد لأسباب سياسية عام 1955 وظل عاطلًا عن العمل لمدة ثلاث سنوات، في وقت صعب على أسرته التي كانت تعاني من ضائقة مالية.
وفي عام 1963 اضطر"النواب" لمغادرة العراق مرة ثانية إلى إيران المجاورة "الأهواز بالتحديد وعن طريق البصرة"، وذلك بعد اشتداد المنافسة بين القوميين والشيوعيين الذين تعرضوا للملاحقة والمراقبة الصارمة من قبل النظام الحاكم.
تم اعتقاله وتعذيبه من قبل المباحث الإيرانية "السافاك" وهو في طريقه إلى روسيا، قبل إعادته قسرًا إلى الحكومة العراقية، حتي أصدرت محكمة عراقية حكمًا بالإعدام بحقه بسبب إحدى قصائده، وخفف فيما بعد إلى السجن المؤبد، وفي سجنه الصحراوي واسمه نقرة السلمان القريب من الحدود السعودية-العراقية، أمضى وراء القضبان مدة من الزمن ثم نُقل إلى سجن "الحلة" الواقع جنوب بغداد.
هرب "النواب" من السجن بحفر نفق حيث توارى عن الأنظار في بغداد، وظل مختفيًا فيها ثم سافر إلى جنوب العراق وسكن "الأهوار"، وعاش مع الفلاحين والبسطاء حوالي سنة وانضم إلى فصيل شيوعي سعى إلى قلب نظام الحكم، وفي عام 1969 صدر بيان العفو عن المعارضين فرجع إلى سلك التعليم مرة ثانية فشغل منصب مدرس في إحدى المدارس.
"النواب" بعد العفو عنه غادر بغداد إلى بيروت في البداية، وبعدها انتقل إلى دمشق، وظل يسافر بين العواصم العربية والأوروبية، واستقر بهِ المقام أخيرًا في دمشق ثم بيروت ثم الإمارات، كما تعرض النواب لمحاولة اغتيال في اليونان في العام 1981.
من أبرز قصائده التى عرفها محبيه: "القدس عروس عروبتنا، جسر المباهج القديمة، قراءة في دفتر المطر، بحار البحارين، بكائية على صدر الوطن، براءة الأم، الاتهام، براءة الأخت، قمم قمم".
جدير بالذكر أنه نعى وزير الثقافة والسياحة والآثار الدكتور حسن ناظم الشاعر الكبير مظفر النواب، وعدَّ بيان صادر عن المكتب الإعلامي للوزارة الشاعر الراحل من أهم الأصوات الشعرية العراقية، حيث تميز بغزارة إنتاجه مع إجادة واضحة ومقدرة فذة على تطويع اللغة وامتلاكه لمخزون جمالي لا ينضب، مما مكنه من كتابة الشعر بأشكاله كافة.
وأكد البيان أن رحيله يمثل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاجٍ زاخر تميز بالفرادة والعذوبة.
ووزارة الثقافة وهي تنعى النواب فأنها تؤكد أن منجزه سيظل ماثلاً في ذاكرة الأجيال، كما تؤكد عزمها على إعادة طباعة كتبه ودواوينه لتشكل منهلاً للقراء والمهتمين. سائلين الله العلي القدير أن يتغمد الراحل بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان "إنا لله وإنا إليه راجعون".