دعوة الرئيس.. وتعديل قوانين الأحوال الشخصية
"أنا مسئول أمام الله سبحانه وتعالى عن كل بيت وأسرة"!
إنها العبارة الموجزة التي وردت على لسان الرئيس عبدالفتاح السيسي؛ في مداخلته مع برنامج "صالة التحرير" بالتليفزيون المصري؛ وهي المؤثرة المُوحية بأعظم الدلالات؛ للتحذير والتنبيه والنظر إلى مستقبل الأسرة المصرية؛ حجر الزاوية في صرح بنيان المجتمع المصري.
وللأمانة.. ودون اتهامنا بالتملق أو المزايدة؛ فإن من يستمع إلى هذه الكلمات العميقة الطيبة الصَّادرة من أعماق القلب والروح والوجدان؛ فإنه من المستحيل أن ينسبها إلى شخصية "الحاكم"؛ ولكنه لا بد وأن ينسبها إلى شخصية "الإنسان" رب الأسرة الكبيرة صاحب القلب النابض بالحُب والضمير اليقِظ الحي؛ هذا القلب والضمير اللذان يشعُران بشتى المصاعب والمشاكل التي تواجه بني وطنه؛ وتمثل التعبير الصادق عن مدى الإحساس بسلسلة أزماته وصداماته المتكررة مع منطوق ومحتوى "القوانين" التي تم وضعها في مناخ مغاير تمامًا للمناخ الذي يسود العالم في المرحلة الآنية؛ وتثير الهِممْ للحث على ضرورة التفرغ للعمل الجاد- بمعرفة رجال القضاء والحكومة والبرلمان ومؤسسة الأزهر وكافة مؤسسات الدولة والمجتمع؛ للتكاتف من أجل إعداد وتفعيل قانون أحوال شخصية يحقق العدالة والاتزان- ولتحديث القوانين غير المرنة التي تجعل الفرد يصطدم بالعديد من المتغيرات المجتمعية المتسارعة؛ تلك المتغيرات التي تقتضي سرعة إدخال العديد من التعديلات الجوهرية على منطوق بنود "موادها"؛ كي تتماشي مع المتطلبات الجديدة اللازمة لنمو المجتمع وتقدمه وازدهاره؛ ولكي تُرفع من طريقه كل المعوقات التي تؤدي- حتمًا- إلى التفكك الأُسري جرَّاء قضايا الأحوال الشخصية التي نعاني منها ونسمع عنها منذ أكثر من أربعين عامًا ولا زالت موجودة حتى الآن !
ولعل الخطوات الجادة التي اتخذتها القيادة الوطنية بالجمهورية الجديدة؛ تنبئ ببزوغ شمس جديدة تسطع في سماء الأسرة المصرية؛ وذلك بالبدء بدعوة أساطين أساتذة علم الاجتماع ومعهم السادة قضاة مصر الأجلاء؛ وعلى رأسهم المستشار رئيس محكمة الأسرة السابق؛ للحضور إلى مقر الرئاسة للتباحث حول إقرار وصياغة وتفعيل ملف يضم القوانين الجديدة العادلة للأحوال الشخصية في مصر.
ولعل من حُسن الطالع- والبدء بالطَّرْق على الحديد الساخن- أن تقدمت الحكومة بمشروع قانون يتضمن إدخال التعديلات الواجبة على قانون الأحوال الشخصية؛ والذي سبق أن نوَّهت إلى إعداده من قِبل جميع مؤسسات المجتمع المدني من الأزهر والكنيسة ودار الإفتاء وحقوق الإنسان وحقوق المرأة؛ وأشارت إليه سيادة النائبة البرلمانية الأستاذة فريدة الشوباشي، بقولها: "إن الدعوة لتعديل قانون الأحوال الشخصية ضرورة للحفاظ على الأسرة المصرية وتحمي حقوق كل من الزوجة والأبناء".
وجاءت اقتراحات التعديلات في قانون الأحوال الشخصية الجديد شاملة تحديد إطار علاقات ومنهاج من يشرعون في الإقدام على تكوين "أسرة"؛ بأنه لا يجوز تزويج من لم يبلغ من الجنسين ثماني عشر سنة ميلادية كاملة، ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة كل من تسبب، أو عقد، أو وافق، أو وثَّق، أو شهد على عقد زواج قاصر دون هذه السن المُحددة، ما لم يكن ذلك بأمر القاضي المختص، كما لا يجوز التنازل عن العقوبة وفقًا لأي قانون آخر.
كما تضمن مشروع قانون الأحوال الشخصية المقدم من الحكومة المئات من المواد التي تشتمل على مواد أحكام عقد الزواج وانتهائه، والعديد من الأبواب التي توضح أحكام الخطبة وعقد الزواج، وآثار الزواج وأحكامه، وانتهاء عقد الزواج والطلاق، والتطليق والفسخ، والخُلع، والمفقود، والنَّسَبْ، والنفقة، والحضانة، وصندوق دعم ورعاية الأسرة المصرية؛ والجديد هو إقرار حق الزوجة في طلب الطلاق مع حصولها على كافة حقوقها، وتخصيص نسبة "خمسة بالمئة "من الإسكان الاجتماعي للمرأة بلا مأوى.
ولعل تفعيل هذه المواد التي تهدف إلى تحقيق العدالة المجتمعية العقلانية المتحضرة غايتها الحفاظ على أطراف ليس لها ذنب في الخلافات الأسريةـ وهذا وارد فلسنا في مصاف الملائكةـ وبالأخص الأطفال وهم اللبنة الأولى في جدار المجتمع؛ بحيث نضمن لهم جميع حقوقهم سواء المادية الملموسة كالمأكل والملبس والصحة والالتحاق بالتعليم ورعاية مواهبهم لحين خروجهم إلى الحياة العملية ورعاية أنفسهم داخل الإطار المجتمعي القويم.
إن القيادة الوطنية المخلصة؛ وهي تعمل بكل الجدية في إقامة المشروعات القومية والمصانع العملاقة التي تنهض بمصرنا المحروسة وتدفعها إلى مصاف الدول المتقدمة وسط خريطة العالم؛ تؤمن- في الوقت نفسه- بأهمية دور "الفرد" في تلك المشروعات العملاقة؛ وبأنه العصب المحرك والقلب النابض لكل مشروعات رفاهية الوطن.. والإنسان على أرضه؛ فيكون شغلها الشاغل والدائم هو العمل الدءوب على إقرار قوانين الأحوال الشخصية العادلة والمنطقية؛ التي تجعله يسير قُدُمًا فوق بُسُـطْ الراحة آمنًا مطمئنًا بنيل كل حقوقه الإنسانية المشروعة؛ ودون الإخلال بواجباته نحو المجتمع الذي كفل له بساط الطمأنينة.. فتحية من القلب لكبير العيلة المصرية الرئيس السيسي على الاهتمام بتأمين الأسرة المصرية والعمل على حمايتها وإصلاح الصورة الذهنية لدى شبابنا، حتى لا يحجموا عن اتخاذ الخطوات الجادة نحو تكوين أسرة مخافة الفشل والدخول في صراعات لا يحميها قانون يقى من التفكك وضياع الحقوق.. وسنوات العمر.
- رئيس قسم الإنتاج الإبداعي الأسبق بأكاديمية الفنون وعضو اتحاد كتاب مصر