دلالات تعامل الدولة مع الأزمة الاقتصادية العالمية فى دراسة جديدة للمرصد المصرى
كشفت دراسة للمرصد المصري، التابع للمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن خطة الدولة للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية التى تضمنت 5 أبعاد أساسية، تتمثل فى تعزيز دور القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، وتوطين الصناعة المحلية مع توسيع القاعدة الإنتاجية، وتنشيط البورصة المصرية وتعزيز دورها فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، والإعلان عن خطة واضحة ملزمة لخفض الدين العام وعجز الموازنة، وإجراءات وبرامج للحماية الاجتماعية لضمان توفير السلع الأساسية.
وأوضحت الدراسة التى نشرت تحت عنوان، "تعامل الدولة المصرية مع الأزمة الاقتصادية العالمية.. الأبعاد والدلالات"، للباحثة، أسماء رفعت، أن الدولة تستهدف خلق المزيد من فرص العمل ورفع معدل النمو الاقتصادي، والمشاركة فى إقامة البنية التحتية، وتعزيز دور القطاع الخاص فى المنافسة من خلال رفع نسبة مشاركته إلى ٦٥٪ من إجمالى الاستثمارات المنفذة خلال ٣ سنوات، وذلك فى ظل التداعيات السلبية على الاقتصاد العالمي؛ جراء الصراع الروسي الأوكراني، إذ أدى إلى تخفيض المؤسسات العالمية لمعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة عالميا عدة مرات؛ ففي يناير 2022 تم تقدير معدل النمو الاقتصادي العالمي بنحو 4.4% عام 2022، و3.8% عام 2023، إلا أن تلك التوقعات تمت مراجعتها في إبريل 2022 ليتم تقدير معدل النمو العالمي بنحو 3.6% عام 2022، و3.6% عام 2023. وقد أدت الأزمة إلى اقتراب خسائر الناتج الإجمالي إلى نحو 12.5 تريليون دولار عالميا حتى 2024، بما يعادل خمسة أمثال الناتج المحلي الإجمالي لقارة إفريقيا عام 2021.
وأشارت الدراسة إلى أنه انعكست الأزمة على ارتفاعات قياسية لأسعار السلع الأساسية مثل القمح واللحوم والبترول والذرة، وأدت إلى ارتفاع مستوى التضخم عالميًا مسجلا 9.2% في مارس 2022 لتعاني منه كافة دول العالم المتقدمة والصاعدة، الأمر الذي دفع الاقتصادات الكبرى إلى تبني سياسات تقييدية والتوجه نحو التشديد النقدي، مضيفا أنه ارتفعت توقعات معدل الفقر عالميًا؛ إذ يتوقع أن يعاني نحو 1.7 مليار شخص من أزمة الجوع والفقر والعوز نتيجة الأزمة. وأفرزت الأزمة كذلك ارتفاع مستويات الدين العام بما يقدر بنحو 303 تريليونات دولار عالميًا ووصلت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 351% عالميا عام 2021، وتستحوذ الاقتصاديات الناشئة على نحو 80% من حجم المديونية العالمية.
وتطرقت الدراسة إلى دلالات تعامل الدولة مع الأزمة الاقتصادية العالمية، موضحة أن هناك نظرة استباقية للتخفيف من حدة الأزمات المتوقعة وعلاج الاختلالات الهيكلية؛ فعند وضع وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي عام 2016 تضمن تنفيذ الدولة عددا من المشروعات القومية الكبرى، واستهدف زيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وزيادة الرقعة الزراعية، وتطوير صوامع تخزين القمح، وبناء شبكة طرق، وإنشاء مدن جديدة، وغيرها.
كما انعكست تأثيرات تلك السياسات خلال الفترة الحالية، والتي كان من شأنها تخفيف حدة الأزمة الحالية، وتمكين الاقتصاد المصري من مواجهة الأزمات المتتالية بقدر أقل من الخسائر، وتمكين الحكومة المصرية من اتخاذ عدد من التدابير المالية للتصدي لتداعيات الأزمة، لتكون مصر واحدة من أبرز دول العالم التي تبنت أكبر عدد من التدابير المالية عام 2020 خلال فترة التصدي لجائحة كورونا.
وأوضحت أن تمكنت الحكومة كذلك من أن تكون واحدة من الدول التي حققت معدلات نمو إيجابية وصلت إلى 3.5% عام 2020، بالإضافة إلى ما شهدته الدول في عدد من القطاعات جاء أبرزها ما تم تحقيقه من طفرة في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي، بما انعكس على فائض الميزان البترولي، ورفع الاحتياطي الاستراتيجي من السلع الأساسية وسط أزمات غذاء عالمية.
وأكدت أنه تتسم خطة الدولة بالمرونة والتكيف، مما يمكن من مواجهة تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية على الاقتصاد المحلي. ويتبين ذلك من خلال سرعة توجيه مخصصات المالية العامة لمواجهة تداعيات تلك الأزمات؛ فبمقارنة مؤشرات المالية بين عامي 2019/2020 و2020 /2021 يتبين زيادة حجم الإنفاق على أجور وتعويضات العاملين بنسبة 10.4%، وزيادة حجم الدعم على السلع التموينية بنسبة 3.2%، وزيادة حجم الإنفاق على الصحة بنسبة 22.8%، وزيادة حجم الإنفاق على التعليم بنسبة 9.3%، وزيادة حجم الإنفاق على الاستثمارات العامة بنسبة 30%.
وأشارت إلى حرص الدولة الدائم عند وضع سياساتها وخطط التنمية على وجود قدر من الشفافية والمشاركة؛ من خلال إعلان الخطط والسياسات، وفتح قنوات للتواصل مع المواطنين والقطاع الخاص كشركاء في التنمية.
وأضافت، أنه يتبين وجود تحسن نسبي في وضع الاقتصاد المصري على الرغم من تداعيات الأزمات المتتالية؛ إذ رفعت المؤسسات الدولية نسب النمو المتوقعة للاقتصاد المصري، وسط تراجع معدلات النمو المتوقعة عالميًا.
وأبقت مؤسسات التصنيف الائتماني لمصر عند BB B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد المصري، وسط أوضاع عالمية غير مستقرة.
وتابعت: "أنه على الرغم من أن الأزمات الحالية هي أزمات خارجية تنعكس آثارها على الاقتصاديات المتخلفة، إلا أن هناك عددًا من العوامل التي تؤدي إلى تزايد أعباء الدولة للتصدي للأزمات، من بينها الزيادة السكانية المرتفعة؛ إذ يتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى ما يقرب من 120 مليون نسمة، بما يوازي عدد السكان في خمس عشرة دولة أوروبية أو 14 دولة عربية"، مضيفة أنه دائما ما يمثل الشق الاجتماعي عنصرًا رئيسيا في سياسة الدولة، ولن يتم إغفال هذا الشق خلال فترات الأزمات التي تتسم بزيادة الضغط على موارد الدولة وتحجيم فرص النمو والتطوير. ويمثل هدف تخفيف عبء المعيشة على المواطن المصري هدفًا أصيلًا من أهداف الدولة في أوقات الاستقرار والأزمات.