لبنان الحقيقى جاى
يجتاز لبنان الحبيب فترة عصيبة من تاريخه المعاصر، هل نتحدث عن ملوك الطوائف السياسية الذين أدخلوا البلاد فى نفق شبه مسدود؟ أم نتحدث عن الأزمة الاقتصادية الحادة وانهيار الليرة، هذه الأزمة التى لم يعرف اللبنانيون مثيلًا لها حتى فى خضم الحرب الأهلية اللبنانية؟
ولكن ما يفتح نافذة أمل جديد هو الانتفاضة الشعبية العابرة للانتماءات السياسية والانحيازات الطائفية، هذه الانتفاضة التى أظهرت للعالم وجه لبنان المشرق عبر التاريخ «لبنان الكرامة والشعب العنيد».
ويمر لبنان هذه الأيام بانتخابات برلمانية مهمة ربما تكون مفصلية فى تاريخه، لا نقول إن هذه الانتخابات ستُغيِّر بين يوم وليلة الحالة اللبنانية المستعصية على الحل، ولكن المهم أن تكون هذه الانتخابات هى بداية الحل، بظهور صوت جديد يخرج من تحت سطوة أمراء الطوائف السياسية، صوت جديد يكون البداية لعودة الروح إلى لبنان، وأيضًا عودة لبنان إلى محيطه العربى.
ربما لا يعلم البعض منّا أن نشأة القومية العربية كانت فى بلاد الشام، وعلى وجه الخصوص فى لبنان، وهنا لا نتحدث عن مسلمين ضد مسيحيين، فبالعكس لعب مسيحيو الشام، ومسيحيو لبنان على وجه الخصوص، دورًا مهمًا فى نمو الوعى القومى العربى، ليس فقط فى لبنان أو حتى بلاد الشام، بل فى العالم العربى كله.. ومَن يُرِد التأكد من ذلك فعليه العودة إلى المرجع الأم فى هذا الشأن كتاب «يقظة العرب» لجورج أنطونيوس، وأتذكر فى إحدى زياراتى الأخيرة لبيروت أن استضافتنى على العشاء عائلة واكيم، الدكتور جمال والدكتورة جولنار، ولم تكن مفاجأة بالنسبة لى كمؤرخ أن هذه العائلة المسيحية عائلة عريقة فى انتمائها العربى، فعندما ذُكِر اسم عبدالناصر على طاولة العشاء، ترَحّم الجميع على روحه ودوره فى دعم الانتماء العربى للبنان، ودور جامعة بيروت العربية فى تخريج الآلاف من الكوادر اللبنانية المثقفة ذات الانتماء العربى.
وأتذكر عندما نزلت قوات «حزب الله» فى شوارع بيروت فى عام ٢٠٠٨، عندها أعلنت كلٌ من مصر والسعودية عن أن هذا الأمر هو إخلال بقواعد اللعبة السياسية فى لبنان، واعتداء على انتماء لبنان العربى، ومن الصعب السكوت على ذلك.. عندها حدثنى أحد كبار السياسيين اللبنانيين فرحًا بعودة مصر من جديد للعب دورها العربى، وحسنًا فعلت مصر الآن بإرسال سفير مثقف واعٍ وقارئ جيد لتاريخ لبنان وانتمائه العربى، هو السفير ياسر علوى، الذى يلعب دورًا مهمًا فى هذا الشأن.
ندعو كل اللبنانيين إلى التصويت وعدم مقاطعة الانتخابات، المسألة ليست الصوت السُنى، أو حتى الصوت الشيعى، فهناك شيعة علمانيون مختلفون مع سياسات «حزب الله»، الأمر فى البدء وفى الخاتمة هو سيادة الدولة اللبنانية، والحفاظ على انتمائها العربى.
كم أشتاق لعودة الروح إلى لبنان، وزيارة لبنان للاحتفال مع الأصدقاء، وكما تقول الست فيروز:
«لبنان الحقيقى جاى».