السينما الاسكتشية
لسببين لم أهاجم مسرح مصر.. الأول: عدم اقتناعى بسبب وجيه لمهاجمته أصلًا، والثانى: لأن المشكلة الحقيقية فى اعتقادى هى خلو المشهد المسرحى فى مصر من نصوص كوميدية جيدة تجذب الجمهور فى المقابل من خلال قوالب سلسة وعصرية، سواء كان ذلك بسبب غياب الضوء المُسلّط عليها، أو عدم وجودها بالكثافة أو الجودة المطلوبة.
اختلافى الوحيد هو اعتبارى مسرح مصر اسكتشات.. بالمناسبة هى ليست شتيمة.. لكنه فقط محتوى آخر.. الأسس العلمية تقول إن الاسكتش هو المشهد القصير أو المسرحية الصغيرة «Sketch» ذات القالب الكوميدى.. من عناصرها: الارتجال، المحاكاة الساخرة، كسر الإيهام، والأهم.. غياب ركائز المسرح، أو بمعنى أدق الدراما المسرحية، مثل الحدث المتطور، الذروة، بناء الشخصية وغيرها.. إذن وبعيدًا عن رأيى الشخصى هناك عناصر واضحة تحدد نوع كل محتوى.
طيب.. ما أهمية التصنيف؟ فى كل الحالات الناس مبسوطة، ولن يهتم أحد كثيرًا بمسمى ما يشاهده طالما يُبسطُه، صحيح.. لكن المشكلة هى أن اعتياد الجمهور على ثقافة الاسكتش على مدار سنوات، دفعه إلى أن يتقبل امتداده أيضًا للسينما، وبالتالى.. أصبح أكثر قابلية لهضم أفلام ليست أكثر من مَشاهد مُهلهلة، قوامها الإفيهات والتهريج، محشور بينهما أغنيتان أو ثلاث.
للتحقق يمكنك مشاهدة فيلم «زومبى» من تأليف وليد أبوالمجد وأمين جمال، وإخراج عمرو صلاح، وبطولة على ربيع، هاجر أحمد، كريم عفيفى، حمدى الميرغنى، ومحمد محمود.. يدور الفيلم حول طبيب قرية «علاء مرسى» يحقن عددًا من سكانها بمادة تحولهم إلى كائنات متوحشة أو ما يسمى بالموتى الأحياء «زومبى»، يمر المغنى بطة «على ربيع» مع فرقته على القرية، لتبدأ سلسلة مطاردات بينهم وبين هذه الكائنات تنتهى بنجاح بطة وأصدقائه فى الهروب خارجها.
مشاهدو الأفلام الأجنبية سيدركون تقاطع الموضوع مع عدد كبير من الأفلام التى قدمتها السينما الأمريكية عن الكائنات الزومبى، بداية من «Night of the living dead» مرورًا بـ«I am legend» وصولًا إلى «Army of the dead».. التشابه ليس المشكلة.. لأن كل فيلم يتميز بحبكة مختلفة بما فيها أفلام الزومبى الكوميدية مثل «Shaun of the Dead».
الجديد فى فيلم «زومبى» أنه لا وجود لحبكة أصلًا! حيث ندرك بعد وفاة الطبيب أنه اخترع مادته- عشان يخلى الناس تاكل فى بعض- كما ذكرت مساعدته، دون أن نعرف ما دوافعه لفعل ذلك، ولا نتيجة الفكرة أو مضمونها فى النهاية.
بشكل عام.. لا تسأل عن المبرر أثناء مشاهدتك هذا الفيلم، سواء مبرر تمسك خطيبة بطة بزواجها منه، أو اعتراف الممرضة فجأة بخطة الطبيب رغم تمسكها بتنفيذها، أو مساعدتها لبطة وفرقته رغم مشاركتها فى المخطط الشرير، أو اختفاء أبطال وإنقاذ آخرين دون معرفة أين اختفوا أو كيف تم إنقاذهم.
الصدف غير المنطقية كانت بطلًا رئيسيًا لهذا الفيلم، بدايةً من عثور بطة وأصدقائه على منزل ساكن القرية الناجى، وصولًا إلى وقوف سيارة والدة بطة أمام القرية الموبوءة فى طريق يمتد لأكثر من ٥٠٠ كيلومتر! وهو ما أدى إلى أن يكون مصدر ٩٩٪ من ضحكات الجمهور على ما يشاهدونه هو الإفيهات، مما يعكس مدى الاستسهال فى صناعة هذا الفيلم باعتماده على الكوميديا اللفظية بدلًا من نسج مواقف كانت تحتملها فكرة الفيلم.
الشخصيات جاءت مسطحة تمامًا، والأداء باهت ومحدود، ليس أكثر من استخدام بعض الممثلين صبغات شعر غريبة، وإلقائهم «الألشات» طوال الفيلم، تمامًا على طريقة الاسكتشات المسرحية، بداية من البطل على ربيع، مرورًا بجميع الشخصيات، مع استثناء محمد محمود الذى حاول الاجتهاد، إلا أن مساحة الدور وسطحية الشخصية لم تمنحاه فرصة أكبر لإخراج طاقاته كممثل قدير، الأغانى أيضًا تم حشرها فى أحداث الفيلم دون أى وظيفة تخدم الدراما غير الموجودة أصلًا لتكتمل الخلطة الاسكتشية بآخر بهاراتها.