لكل دمعة سرها
أسأل نفسي دوما: هل الدموع مالحة على الدوام؟
للدموع أسرارها ومذاقاتها، وأجسادنا تنتج الدموع بشكل دائم حتى لا تصاب العين بالجفاف، إنما تفيض وتنهمر على الخدين عندما تفيض المشاعر، وهي مالحة عند الحزن والألم فقط، مرارة الحزن ووجع الألم يكسبانها طعم الملح، فقد تذوقتها يوما في لحظة سعادة وكانت بطعم العسل، وعند اللهفة تكون بطعم الشوق اللذيذ، وبعد تحقيق حلم أو أمنية يكون لها مذاق رائع لا يضاهيه أي حلاوة.
والدموع كما أنها ترطب العين وتحافظ على الصحة البصرية فإنها تعبير واضح عن المشاعر الجياشة، وهي منحة من الله لغسل النفوس البشرية.
وتتباين الدموع في الشكل أيضا، فقد قامت المصورة الأمريكية روز-لين فيشر بتصوير الدموع تحت المجهر الضوئي واكتشفت: تباين الدموع في الشكل حسب السبب الذي ذُرفت من أجله سواء أكان خسارة أم حبا أم سعادة أم حزنا. كل دمعة تبدو مختلفة بعد تكبيرها لنحو 100 إلى 400 ضعف تحت المجهر. ولا يختلف الشكل وحده وإنما التركيبة المكونة لها.
ونحن هنا بصدد الدموع العاطفية وليست دموع التماسيح، حيث إنها وُصِفَت كرمز للنفاق وإظهار عكس ما يبطن، فالتمساح فى حقيقة الأمر يمارس ببكائه فعلا وظيفيا لا إرادي، واستجابة الغدد الدمعية لعملية مضغ الضحية يؤدي لصب الدمع في أعينها نتيجة للحركة القوية للهواء في الجيوب الأنفية، والتي لا تدمع إنما تترغرغ فقط دون أن تكون لدمعاته الكبيرة علاقة بعواطف أو مشاعر أو أحاسيس.
في كل الأحوال تصاحبني الدموع طوال مشواري بالحياة، ولا أدري هل هي علامة ضعف أم رهافة حس!! إنما يغلبني إحساسي كطوفان لا أحتمله فيهطل دموعا ساخنة على الخدين.
حين تتملكني فرحة غامرة لا أتوقعها أقفز من السعادة وتقفز الدموع من عيني، وإذا خلع الحزن قلبي من مكانه تسيل دموعي ندية تطبطب عليه.
أبكي من مشهد في فيلم أو من أغنية تعصف بكياني، حتى الضحك المتواصل يجعلني أذرف دمعا، وبالطبع لن أتكلم عن البصل وما يطلقه من أنزيمات حمضية أمينية تجعل الدموع تنساب بغزارة.
وحين نأخذني اللهفة إلى الغائبين ويشقيني الحنين نحو الراحلين ، تغسلني دموع الشوق حتى تهدأ روحي التي لا تستكين بمكان.
أما الحب فله حكايات أخرى، أبكي طغيانه في عز النشوة، وجبروته في لحظات الفراق، ورقته عند العناق الدافئ، ونيرانه عقب قبلة ساخنة تشعل النار في الجسد.
ومع الله تكون أجمل الدمعات حين تتجلى أسرارها وأنا أحتضن نفسي وأبكي في سجدة خاشعة، أو أبتهل في دعاء قريب من القلب، وحين أخضع في توبة صادقة، أو تنساب الدموع أنهارا في ضمة ليلة قدر.