الطائفية.. شبح قديم جديد يجثم على صدر لبنان
وسط أزمات متلاحقة.. مخاوف من شراء الأصوات في الانتخابات اللبنانية
انطلقت الجمعة معركة الانتخابات النيابية اللبنانية، في وقت تمر البلاد بأزمات متلاحقة، حولت حياة اللبنانيين إلى معاناة اقتصادية متوصلة.
وبدأ استحقاق الانتخابات البرلمانية بتصويت الناخبين اللبنانيين في الخارج الذين قدرت وزارة الداخلية اللبنانية عددهم بنحو 225 ألفاً في 58 دولة.
وتجرى انتخابات غالبية المغتربين غدا الأحد في الدول التي تعتمد هذا اليوم عطلة نهاية الأسبوع وأبرزها الإمارات والولايات المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا والبرازيل ودول الاتحاد الأوروبي والدول الأفريقية، قبيل التصويت في الداخل المقرر له 15 مايو الجاري.
وتجرى الانتخابات وفق القانون النسبي والصوت التفضيلي، حيث يتوزع الناخبون اللبنانيون وعددهم حوالي 4 ملايين على 15 دائرة انتخابية لاختيار 128 نائباً جديداً يتألف منهم مجلس النواب.
ويرى مراقبون، أن الأزمة الاقتصادية الطاحنة ستلقي بظلالها على اتجاهات التصويت، محذرين من عمليات شراء الأصوات التي تنتشر في مثل هذه الظروف.
نزاهة الانتخابات
أستاذ القانون الدستوري بالجامعة اللبنانية الدكتور عصام إسماعيل، قال إن: مفهوم نزاهة الانتخابات لم يعد ينظر إليه من زاوية شراء الأصوات أو التلاعب بالنتائج أو التهديد أو تسخير السلطة لغايات دعم مرشحين معينين أو استخدام المؤثرات غير المشروعة، فهي أمور قديمة لم تعد تلجأ إليها الدول ولا المشاركين في العملية الانتخابية، إذ هناك وسائل أكثر فائدة في تحقيق النتائج المرجوة دون اللجوء إلى ارتكاب ما يثير الريبة سواءً من المجتمع الدولي أو المحلي.
وأضاف إسماعيل لـ"الدستور"، أن: هذه الأسباب جعلت الدول هي التي تطلب مراقبة محلية ودولية للعملية الانتخابية للتحقق من سلامة الإجراءات المتخذة. أما قوى السلطة الممسكين بالقرار السياسي، فهم يضمنون حصصهم الانتخابية من خلال نظام الاقتراع وتقسيم الدوائر عند إعداد قانون الانتخابات.
وتابع بقوله: لهذا عند صياغة قانون الانتخابات الجديد تمّ التوافق بين هذه القوى على كافة التفاصيل التي تضمن الحصص النيابية للقوى السياسية، وعليه مع هذه الضمانة التشريعية لا مبرر لاستخدام أي وسائل تؤثر في سمعة القوى السياسية التي تحتاج إلى ترميم بسبب الأزمات المتلاحقة التي حلت بالدولة اللبنانية وكانوا هم المسبب الرئيسي لها.
وأشار إلى أن: العوامل الاقتصادية من شأنها أن تحرف المترددين من الناخبين، أما القوة الانتخابية للأحزاب فنادرا ما تتأثر بهذه العوامل التي تغلب ولاءاتها الحزبية والطائفية على أي عوامل أخرى. ولهذا فإن هذه القوى المترددة قد تتمكن من إحداث تعديل طفيف في النتائج ولكن ليس لها أثر كبير على الخريطة السياسية للقوى الحزبية.
واستطرد: المساعدات الحزبية ومساعدات الجمعيات والمرشحين هي سمة مرافقة للعمليات الانتخابية، وهذه المساعدات مجازة بقانون الانتخاب الذي أجاز للمرشحين الذين لديهم جمعيات دأبت على دفع مساعدات أن تستمر في دفعها خلال فترة العملية الانتخابية.
وواصل قائلا: هذه المساعدات عينية وخدماتية بمعظمها، أما شراء الأصوات فمحدد بقلة من المرشحين المنفردين وليس حالة عامة، ولا تقوم بها الأحزاب الكبرى التي تعتمد على كتلة ناخبة تستطيع جذبها لصالح مرشحيها وحلفائهم، ونادراً ما ينجح المال في تغيير النتائج.
وأوضح أن الدستور وقانون الانتخابات وزّعا المقاعد على الطوائف والمذاهب، وهذا التوزيع نهائي غير قابل للمساس، وإنما المنافسة هي بين القوى الحزبية المتنافسة، ويمكن أن نشهد خرقا بسيطا للمجتمع المدني في دوائر محدودة، وتبدلا طفيفا في أعداد نواب الأحزاب الفائزين، ولكن دون المساس بالمشهد العام حيث سيتكون مجلس النواب الجديد من ممثلي الأحزاب الأساسية الفاعلة.
قانون على المقاس
من ناحيته، قال رئيس اتحاد نقابات العمال في لبنان كاسترو عبدالله، إن الانتخابات البرلمانية اللبنانية مشكوك فيها، بداية من القانون المشوه الذي فصل في السنوات السابقة على مقاس الطبقة الحاكمة، حيث تتقاسم الحصص، وتوزع مقاعد المجلس النيابي استنادا لنفوذ هذه القوى الطائفية المذهبية.
وأضاف عبدالله لـ"الدستور"، أن: المطلوب وجود قانون وطني، يعتمد لبنان كله دائرة واحدة على أساس النسبية خارج الطائفية، والممارسات السابقة التي رأينها، لافتا إلى أن هناك تأثيرات اقتصادية واجتماعية بعد جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا التي فاقمت الأوضاع في لبنان، وأثرت على مقدرة اللبناني في الإنفاق.
وأشار إلى أن الطبقة السياسية الحاكمة وضعت يدها على الأملاك العامة، ودمرت الخدمات، حتى صار وصول التيار الكهربائي في أحسن الأحوال ساعة واحدة في اليوم، ثم يخضع المواطن لمافيا الاحتكارات، إلى أن أصبح رغيف الخبز والأدوية ودخول المستشفيات بحاجة إلى واسطة.
وتابع بقوله، إن: ارتفاع البطالة لأكثر من 70% والتسرب من القطاع العام وربط الخبز بالدولار، واحتياج المواطنين للعملة الصعبة لدخول المستشفيات، والتوقف عن دعم الزراعة والصناعة، نتائج طبيعية للسياسات المتخبطة والأنانية للسياسيين.
وحذر عبدالله، من أن: هناك أشكال متعددة لشراء الأصوات، بينها من يحتجز هويات الناس إذا شك في عدم ولاءهم مقابل 100 دولار، ومساعدات من السلع التموينية، والمساعدات المدرسية، وشراء الذمم، مؤكدا أن قوى المعارضة مشتتة، وليست قادرة على التوحد في مواجهة هذه الأوضاع.
واستطرد: أمامنا فرصة لتوحيد المعارضة والاتفاق والتوحد في الدوائر، والتصويت باتجاه معين، والخروج من الأنانية، ونأمل الخير في القدرة على التغيير وكسر التمثيل الطائفي والمذهبي، لأن البلد يمتاز بالكثير من الكفاءات الوطنية والعلمية القادرة على قيادة لبنان للخروج من هذه الأزمة، بعيدا عن ستار الطائفية.
الطائفية والولاء الحزبي
بدوره، قال المحلل السياسي اللبناني الدكتور أحمد يونس، إن: الانتخابات تأخذ شكلا مختلفا عن الانتخابات في أي بلد آخر، لأن اللعبة الطائفية والولاء الحزبي يسيطران على المشهد، واتجاهات تصويت الناخبين، مهما كان هناك تقصير في تنفيذ البرامج من قبل السياسيين، وفسادهم، لافتا إلى أن مشكلة الطائفية تلعب دورا أساسيا في التحكم بطريقة التصويت.
وأضاف يونس لـ"الدستور": لدينا حالة من الزبائنية، فالمواطن فقد الثقة في الدولة كصمام أمان يمكن أن تنقذه من الوضع الراهن، أو الأزمات المتتالية، فأصبح توجهه نحو زعماء الطوائف، وكل مواطن يذهب إلى الزعيم الذي يترأس طائفته، أو الحزب الذي يسيطر على هذه الطائفة، بولاء كامل؛ أملا في تأمين الاحتياجات المطلوبة من وظائف في الدولة، ومساعدات عينية، وتسهيل أمور أقساط المدارس، وغيرها من الخدمات.
وتابع بقوله: ليس هناك خوف على نزاهة الانتخابات بالمعنى الضيق، فهناك هيئة إشراف على التصويت، والأحزاب والزعماء ليس لديهم أي خوف من عدم وجود مصداقية، إلا أن هناك أدوات غير مشروعة تستخدمها الأحزاب المهيمنة، وزعماء الطوائف، كل في منطقته، لتحجيم المرشح المنافس، وعدم فتح مجال له لإطلاق حملته الانتخابية بشكل ديمقراطي.
وواصل قائلا: نزاهة الانتخابات معرضة ليس لتغيير الأصوات أو التزوير وسرقة الصناديق، لكن المرشح المنافس المستقل العابر للطوائف والمناطق وولاءه وطني، سوف يعاني في ظل الاصطفاف الطائفي، وتكون حركته وجولاته محفوفة بالمخاطر.
وأشار يونس، إلى أن: الأزمات الاقتصادية التي يعيشها الوطن قد تستغل حاجة المواطن والفقر المدقع لابتزاز المواطنين، والمساومة من أجل شراء الأصوات؛ نتيجة الوضع والأزمة الاقتصادية الخانقة، ويمكن أن نرى المال السياسي يستخدم بشكل كبير، وقد يثمر في بعض الأحيان نتيجة حالات الفقر الشديد المنتشرة في مناطق مختلفة من لبنان.