علي جمعة: الصدق قيمة عليا نراها في رسول الله
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن الله تعالى قال في كتابه العزيز "ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"، وفيها يرشدنا الله سبحانه وتعالى بآداب يجب أن نتحلى بها؛ بعضها نفسي، بعضها اجتماعي، بعضها في مجالات مختلفة، يقول ربنا سبحانه وتعالى: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ} هذه مسألة اجتماعية تجعل الصدق قيمة عليا نراها في حديث سيدنا رسول الله ﷺ وهو يقول لمن سأله: أيسرق المؤمن؟ قال: "نعم"- لأنه ربما تدفعه الحاجة إلى شيء - قال: أيزني المؤمن؟ قال: "نعم" فمن الممكن أن يقع في الخطيئة بدافع الشهوة وينسي نفسه فيقع في الخطيئة والخطأ، فقال: أيكذب المؤمن؟ قال: " لا" . - السرقة والزنا فيهما حدود، وهما من الكبائر قطعاً- يشدد على الكذب حتى قال : «مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» وهى قمة الكذب، أن تكذب في التشريع .
وأوضح "جمعة" خلال برنامج “القرآن العظيم”، أن كلمة الكذب في لغة قريش تطلق كذلك على الخطأ فالخطأ غير المتعمد يسمونه كذبا فعندما دخل سعد مكة يوم الفتح وهو في نشوة الانتصار، قال: اليوم يوم الملحمة، فبلغ ذلك رسول الله ﷺ، فقال: "اليوم يوم المرحمة، كذب سعد" وعزل سعدا من قيادة الفيلق الذي سيدخل بجانبه، وعين ابنه قيس ابن سعد مكانه من أجل هذه الكذبة .. فسعد هنا لم يكذب وكان فرحان، يستنفر قواته، ولكن رسول الله ﷺ لما كان ذلك مخالفا للواقع سماه كذبا، وهي لغة قريش أن يسمي الخطأ كذبا.
وتابع: والكذب منه التكذيب - يرشدنا الله سبحانه وتعالى ألا نطيعه {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (8) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} يعنى ودوا لو أنك تترك بعض الذى أوحى إليك، ودوا لو تتنازل - بلغة العصر - عن بعض مبادئك حتى يتنازلوا عن بعض مبادئهم، وهذا أمر في غاية السوء لأن قواعد الأخلاق مطلقة، والتنازل عنها هو تنازل عن ما ينبغي ألا أن نتنازل عنه، ولذلك {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} هذه صارت وكأنها وصف كمبدأ عام لحالة يجب علينا فيها ألا نتفاوض على المبادئ العليا ، ممنوع أن نفاوض على إذا كنا نترك العدل ونتمسك وقتيا بالظلم ، إذا كنا نترك السلام لنتمسك بالحرب كوسيلة وحيدة للتفاهم ، إذا ما كنا نتمسك بالصدق فنتركه إلى الكذب من أجل عرض معين ، {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} تنازل في مقابل تنازل.
وتابع: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ } أيضا مسألة تربوية اجتماعية ألا نحلف كثيرا فيكون حلاف –صيغة مبالغة-، نبه رسول الله ﷺ أن بعضهم يدعو في سلعته بالحلف « إِيَّاكُمْ وَكَثْرَةَ الْحَلِفِ فِى الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ - يروج البيع - ثُمَّ يَمْحَقُ - يذهب ببركته -» ، وقال ﷺ : « ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »،قُلْتُ مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا فَقَالَ « الْمَنَّانُ وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ وَالْمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ »، فيحلف إنها أحسن سلعة، ويحلف إنها أرخص سلعة، ويحلف إنها أمتن سلعة، يحلف كثير كثير ، وهذا الحلف يدخله في الحلاف، وعندما يحلف - خاصة الحلف بالله - ولا يكون دقيقاً ولا يكون صادقا في بعض الأحيان ، يكون قد استهان بمقام الألوهية ، فسمى ﴿مَهِينٍ﴾ يعنى مهان، يعنى هو أراد الاستهانة فعد من أولئك الذين يهينه الشرع الشريف.