إسلام وهبان: بعض جروبات القراءة ممولة من دور نشر وتستخدم لتصفية الحسابات (حوار)
عرف إسلام وهبان، متخصص في الملف الثقافي، كيف يخلق قاعدة مع الناشرين والكتاب، ومن هنا كانت الفكرة في أن يؤسس جروبًا للكتب، حتى انتشر وأصبح له متابعوه.. أما عن الرحلة كلها فيذكرها وهبان في الحوار التالي..
-في البداية كيف جاءت فكرة وتنفيذ جروب "مكتبة وهبان"؟
أنا أعمل في الصحافة الثقافية منذ أكثر من 7 سنوات، واستطعت خلال تلك الفترة أن أخلق شبكة كبيرة من العلاقات مع الناشرين والعاملين بسوق الكتاب، وكنت أرى أن هناك قصور في تقديم الخدمة الثقافية بمفهومها الأشمل لأطراف العملية القرائية الثلاث (الكاتب والناشر والقارئ)، وأنه لا توجد مؤسسات تعنى بخدمات ما بعد النشر بشكل احترافي وأن كثير من هذه المهام تدار في كثير من الأحيان بشكل عشوائي، لذا كانت رغبتي في تأسيس ليس فقط جروب لخدمة الأطراف الثلاثة فحسب وخلق حلقة وصل وبينهما بشكل أكثر فعالية يخدم القارئ في التعرف على أبرز الإصدارات وكل ما يدور في سوق النشر، وكذلك يساعد الناشر على التعرف على اهتمامات القراء واحتياجاتهم وكذلك مساعدته في حل أزمات تسويق الكتاب وتوزيعه، كذلك خلق حالة اكثر فاعلية من التواصل بين الكتاب وقرائهم.
قررت أن يكون اسم الجروب مرتبطا بالمكتبة للتأكيد على المفهوم الأشمل للمكتبة كمكان يجمع محبي القراءة ويشجعهم عليها ويساعدهم على التعرف على كل ما يخص عالم الكتاب، ومحاولة لتغيير الصورة الذهنية المغلوطة عن مصطلح "المكتبة" كمكان مخصص لبيع الكتب، كمان أنني أطلقت مدونة "مكتبة وهبان" ايضا لتقديم محتوى ثقافي متميز من خلال المقالات النقدية والأخبار الثقافية المتنوعة فضلا عن تخصيص مساحة لنشر إبداعات الكٌتاب الأدبية حصريا، بالإضافة إلى تشجيع القراء على الارتقاء بالمستوى اللغوي والنقدي لهم من خلال تخصيص باب تحت عنوان "ريفيوهات القراء" لنشر أفضل المراجعات التي يكتبوها عبر الجروب.
-في رأيك ما هي الاستفادة الأهم التي تعود على الثقافة من هذه الجروبات؟
في جروب "مكتبة وهبان" نحاول أن نخلق مجتمع قرائي متكامل، ونتبادل خبراتنا القرائية على اختلاف مستوياتها وتنوعاتها، ونتشارك في الحديث حول كل ما يخص القراءة وعوالمها.
أحاول دائما أن يستفيد أطراف العملية القرائية الثلاث بكل ما يقدمه الجروب، ففي "مكتبة وهبان" نساعد القارئ على التعرف على كل ما يخص القراءة وسوق الكتاب، وأماكن بيع وتوزيع الكتب وأحدث الإصدارات وأسعارها ونحاول توفير خصومات حقيقية لأعضاء الجروب ليس فقط على الكتب بل عروض وخصومات على منصات الكتب الإلكترونية والكتب الصوتية، مثلا خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب قدمنا للقراء كتالوج يضم خصومات من أكتر من 60 دار نشر مصرية وعربية، وذلك بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين. أما بالنسبة للناشر فنحاول دائما مساعدته في الوصول للجمهور بشكل أكثر احترافية والتعريف بإصدارات دور النشر، وأماكن توزيعها ونحاول عمل اتفاقات مع الناشرين ومنصات بيع الكتب لتوفير الكتب للقارئ بشكل افضل وبخصومات متنوعة، كما أنني أحاول ابتكار أفكار جديدة للتشجيع على القراءة وزيارة المكتبات والكتابة عن الأعمال الأدبية.
ومن الأمور المتميزة التي خلقتها جروبات القراءة هي حالة التواصل الدائم بين الكاتب والجمهور، وقدرته على معرفة آراء القراء بشكل أسرع، وقد ساعدت هذه المجموعات على خلق جمهور خاص لكثير من الكتاب وأصبح هناك صداقات بين كثير من القراء وكتابهم المفضلين.
-ما رأيك في الاتهامات التي تقول أن جروبات الكتب تكرس لانتشار عديم القيمة على حساب القيمة؟
أولا الاتهام في العموم غير دقيق فما هي معايير تقييم من يطلقون هذه الاتهامات على الأعمال الأدبية من حيث القيمة أو الجودة؟ العمل الأدبي في الأساس هو عمل فني يخضع بشكل كبير للذوق المتلقي ولوعي القارئ، هناك بالطبع معايير للنقد الأدبي لكن هل كل من يطلق هذه الاتهامات بالأساس ناقدا أدبيا ولديه ادوات النقد الأدبي؟! أشك..
ثانيا هناك أعمال مهمة حصل على جوائز أدبية كبرى او دخلت في القوائم الطويلة والقصيرة لها يتم الحديث عنها يوميا، عبر جروبات القراءة، ففي "مكتبة وهبان" ستجد مئات المنشورات عن أعمال ماركيز ومحفوظ وخيري شلبي وطه حسين والرافعي وغيرهم، كما أنني ناقشت عشرات الكتاب الذين وصلت أعمالهم للبوكر أو لجوائز أدبية كبرى مثل طارق إمام الذي ينافس حاليا على الفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية، وجلال برجس الذي حصل على الجاىزة نفسها العام الماضي، وعبد الرحيم كمال، ونورا ناجي وغيرهم.
هذا ليس ردًا على هذه الاتهامات، لكنه تأصيل وتوضيح هام، فالحديث عن جودة العمل الأدبي تحتاج لخبرة ومهارة وقدر عالٍ من الفهم للأدب وروحه وللحالة القرائية بشكل عام، كما أن كثير من جروبات القراءة تعتمد على مشاركات الأعضاء، فالقراء هم من يتحدثوا عن الأعمال الأدبية وليس مسئولي هذه الجروبات.. لكن بالتأكيد هناك منصات غير أمينة أو يديرها أشخاص غير متخصصين تحاول الترويج بالفعل للرديء لتحقيق مصالح خاصة مادية أو معنوية او غير ذلك، هذا موجود للأسف خاصة بعد رواج انتشار جروبات القراءة وتأثيرها على سوق النشر، وهناك بالفعل دور نشر أطلق عليها "دور نشر ترسو" لا تهتم بالمحتوى بقدر الاهتمام بالمادة، هي التي تلجأ لهذه الجروبات وتحاول ترويج كتب تفتقد لأبسط مفردات العمل الأدبي أو المحتوى الحقيقي، ويعتمدون على شريحة من القراء الجديد الذين لا يمتلكون خبرة قرائية كبيرة، لكن بالتأكيد هذه التصرفات لا تنطلي على غالبية القراء الذين أصبحوا أكثر وعيا وفهما لما يدور في سوق الكتاب.
-هناك من يقول إن جروبات القراءة تخدم بعض الكتاب خصيصا.. ما هو رأيك؟
التعميم هنا غير دقيق، لكن من خلال خبرتي في هذا المجال، هناك بالفعل بعض الجروبات ممولة من دور نشر بعينها تحاول دائما الترويج لأعمال هذه الدور وكُتابها، والاهتمام بشكل مبالغ فيه بأسماء بعينها، بل وتجد هؤلاء الكتاب أكثر تفاعلا واهتماما بالتواجد عبر هذه الجروبات وفقا لاتفاق مسبق بين الناشر ومسئول الجروب، وهذا أمر أصبح واضحا للكثيرين، لكن أعتقد أن هذه الجروبات أصبحت تدرك أن هذا الأمر أصبح مكشوفا للكثيرين فباتت تحاول المزج بين أعمال دور النشر والكتاب الممولين لها، وبين الاهتمام بأعمال دور النشر الأخرى، لكن يبقى ولاؤها الأول للممول بكل تأكيد.
السبب الرئيسي في اتخاذي قرار تأسيس "مكتبة وهبان" هو رغبتي في أن يكون لدي مزيد من الاستقلالية أو أن يكون الجروب مرتبطا باسم دار نشر قد يكون لديها الكثير من الخلافات داخل الوسط، وأن يكون لدي مطلق الحرية في تقديم أنشطة وفعاليات ثقافية دون النظر إلى حسابات أخرى أو مصالح مع جهة أو شخص بعينه، ويكفيني أن يكون الجروب قد حقق هذا الصدى وهذا التاثير في اقل من 6 أشهر.
-هل هناك اختلاف قوي ما قبل وبعد ظهور جروبات القراءة؟
لو تتبعنا تاريخ تأسيس جروبات القراءة فستجد أن هناك اختلافًا كبيرًا في سوق النشر قبل وبعد تأسيس هذه الجروبات، بل هناك دور نشر تأسست بعد سنوات من تأسيسها لجروب قراءة، وبعد أن أصبح لديها جمهور كبير.
وخلال الأربع سنوات الأخيرة، أصبحت هناك أهمية كبيرة لجروبات القراءة وزادت قوتها في التأثير على معدلات القراءة في مصر وحركة بيع الكتب، وأتذكر أنني خلال بداية عملي في جروبات القراءة، كان الناشرين لا يهتمون بشكل كبير بمدى تأثيرها وأهميتها، ولم يكن لديهم نفس الرغبة في تقديم كتب وإصدارات كهدايا للقراء وعمل مسابقات للقراءة، لكن الوضع اختلف كثيرا خلال العامين الماضيين وأصبح اهتمام الناشرين والكتاب ومنصات الكتب الصوتية والرقمية وحتى منصات بيع الكتب تهتم بالمشاركة في جروبات القراءة وعمل مسابقات وفعاليات وتقديم عروض وخصومات لأعضائها نظرا لأهميتها وتأثيرها الكبير، لدرجة أن كثير من دور النشر أسست جروبات باسمها للحصول على نفس الزخم والاهتمام.
-ما رأيك فيمن يقول إن هناك من يمول الجروبات لخدمة أغراضه في الانتشار؟
ذكرت آنفا أن التعميم غير دقيق، لكن مع انتشار جروبات القراءة وزيادة تأثيرها واهتمام شرائح عديدة من القراء بها، أصبحت هناك رغبة لدى الكثيرين في تحقيق مصالح شخصية أو "ياخدوا حتة من التورتة"، ولم يعد فقط التمويل أو حتى تأسيس بعض جروبات بهدف التشجيع على القراءة أو الحصول على منافع مادية، لكن وصل الأمر إلى تحقيق مكاسب إيدولوجيا، فأصبح هناك جروبات لنشر أفكار داعشية أو مليئة بالخلايا الإخوانية النائمة التي لا تظهر إلا للترويج لفكر معين أو لانتقاد عمل بعينه، منذ أيام مثلا نشر أحد حروبات القراءة فيديو عن "حكم المضاجعة من الخلف" لسب كاتب بعينه وأفكاره، ولا أعلم ما علاقة جروبات القراءة بالأحكام الشرعية أو الفتاوى أو حتى الخلافات السياسية، لكن هناك من يعلم أهمية وخطورة هذه الجروبات ويعمل على قدم وساق على نشر أفكاره من خلالها سواء بالتمويل المادي أو بزرع خلايا ولجان إلكترونية بداخلها.
-ما هي القيمة المضافة التي يقدمها كل جروب للكتب بعيدا عن الآخر؟
أحاول دائما أن أقدم شيئا مختلفا وغير تقليدي، ولا يعنيني كثيرا ما يقوم به الآخرون، بقدر ما يمكنني أن أقدمه للقراء ويكون نافعا لهم، وأعتقد أن النشاطات الثقافية لا تختلف كثيرا من جروب قراءة لآخر، فالمسابقات والهاشتاجات ولقاءات الكتاب تملأ الكثير من جروبات القراءة، لكن الأهم هو كيف تقدم خدمة أو فكرة تنفع أكبر شريحة من القراء والعاملين في النشر، فمثلا حينما حاولت القيام بدور في مواجهة تزوير الكتب أطلقت مباردة للكتب المخفضة وحاولت أن أقدم للقراء عدد هائل من العناوين والإصدارات الموجودة لدى دور النشر بأقل من 50 جنيها، وحققت هذه المبادرة نجاحا كبيرا ووجدت كنوز حقيقية لدى دور النشر بأسعار زهيدة لا يعلم عنها القارئ شيئا.
أؤمن دائما بأن الأفكار لا تموت، ولا يشغلني من يقلد أو من يسرق الأفكار، المهم هو ما تتركه أنت من أثر لدى القراء وما تحققه داخل سوق النشر بشكل عام، وأتمنى أن لا تنضب الأفكار لدي أو يقل شغفي بالتجديد والابتكار.
هناك جروبات تهتم بشكل كبير بعمل مسابقات للقراء، وأجد جروبات أخرى تهتم بأن يشارك الأعضاء الحديث عن الكتب وحكاياتهم عن القراءة، وهناك اهتمام حقيقي لدى الكثيرين من تقديم شيء مفيد، وأحاول دوما أن تكون أفكاري تصب في مصلحة وعي القارئ والارتقاء بمستواه المعرفي وقدرته على التعبير والنقد واختيار الأعمال ودعم صناعة النشر بشكل أساسي.
-ما هي قواعد النشر داخل الجروبات؟
ليست هناك شروط للنشر عبر جروب "مكتبة وهبان"، سوى أن يكون المحتوى المقدم متعلق بالقراءة، وألا يكون المنشور يروج لكتب مزورة أو بصيغة pdf، أو أماكن لتزوير الكتب، وألا يحمل المنشور إساءة لأحد الأعضاء أو يسيء لشخص كاتب أو ناشر، وألا يكون المنشور محرضا على الكراهية.
هناك من لا يعلم الفرق بين نقد العمل وانتقاد شخص الكاتب أو مؤلف العمل، فالجروب يسمح بنشر أي نقد لأي عمل أدبي حتى لو مخالف لرأيي الشخصي أو رأي غالبية القراء أو النقاد، طالما لم يصل النقد حد السب أو إهانة الكاتب أو المخالفين لهذا الرأي.
بعض المسئولين عن صفحات دور النشر أيضا لا يتفهمون الفرق بين صفحة الدار وبين جروب القراءة، ويحاولون نشر كل بوست دعائي من صفحة الدار على الجروب، لكن كثير من هذه المنشورات أقوم برفضها لأن الجروب يساعد الناشرين في الوصول للقراء والتعريف بإصداراتهم وعروضهم ومنافذ البيع وليس جروبا للدعايا.
-هل يتم منع دور نشر بعينها أو كتاب بعينهم بسبب أن هذه الجروبات تابعة لدور نشر أو برعايتها بشكل علني؟
اسمع عن ذلك كثيرا، وهناك كتاب من اصدقائي يحكون لي أن بعض مسئولي جروبات القراءة يرفضون منشورات لهم أو ريفيوهات عن أعمالهم، لأنهم ليسوا من كتاب الدار التي تمول ذلك الجروب، كما أن بعض الجروبات تستخدم لتصفية الحسابات بين الناشرين وخلافاتهم، بل وهناك عدد من الناشرين يرفضون التعاون مع بعض الجروبات لأنها برعاية دار نشر أو منصة بعينها.
على الرغم من كل ذلك إلا أن بعض الكتاب والناشرين غير المتحققين أو من ليس لهم قدرة على الترويج لإصداراتهم، أو يحاولون الترويج لها عبر الجروبات بشكل دعائي فج لن يفيدهم من الأساس ولن يهتم القارئ به، يعتقدون أن عدم التفاعل مع منشوراتهم أو رفض بعضها لمخالفتها قواعد الجروب أنه شيء متعمد، ويبدأون في كيل الاتهامات لأصحاب هذه الجروبات بل وأعضائها أيضا.